رفاه حسن /
حرب الفضاء، أو غزو الفضاء، هما مصطلحان كانا منذ مدة وجيزة جزءاً من الفانتازيا التي تعرضها علينا أفلام الخيال العلمي بين حين وآخر، فقد شاهدنا غزو الفضائيين لكوكب الأرض وانطلاق البشر نحو الفضاء في محاولة لاستكشافه وبناء المستوطنات واستعمار الكواكب الأخرى.
المدهش أن هذه الأفكار لم تعد مجرد قصص اختلقها البشر بل استطاعت التكنولوجيا أن تحولها إلى واقع نعيشه اليوم.
في نهاية خمسينيات القرن الماضي أطلق الاتحاد السوفييتي أول محطة فضائية كانت تحمل اسم “مير”، التي أُنهيت رحلتها في بداية الألفية الثانية. أما محطة الفضاء الدولية فقد أنشأتها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع روسيا وبتمويل من اليابان وكندا فضلاً عن عشر دول أوروبية سنة 1998 لتحل محل محطة الفضاء الروسية “مير”، وبذلك يكون البشر قد حافظوا على وجودهم في الفضاء الخارجي. ولقد استمرت هيمنة محطة الفضاء الدولية على الفضاء الخارجي المحيط بكوكب الأرض حتى يومنا هذا، لكن منذ أيام قلائل فقط قررت الصين أن تكون جزءاً من هذا الصراع بإطلاق الوحدة الأساسية من محطتها الفضائية التي تحمل اسم Tianhe وتعني “التناغم السماوي” التي سوف يستغرق تجميعها سنة كاملة مقسمة على عشر رحلات، أربع منها مأهولة. ومن المتوقع أن تباشر المحطة عملها سنة 2022.
ولقد جاء الإطلاق بعد محاولتين أجرتهما الصين في هذا المجال، وعلى الرغم من المعوقات التي ستواجهها الصين في طريقها نحو الفضاء، ومنها السياسية والاقتصادية فضلاً عن العلمية، إلا أنها ماضية قُدماً في العمل، وربما كانت باكورة هذه المعوقات الضجة الكبيرة التي رافقت سقوط الصاروخ الحامل للوحدة الأساسية للمحطة الصينية الذي حمل اسم Long March 5b الذي خرج عن السيطرة بعد إكمال مهمته وانفصال الوحدة الأساسية عنه، إذ خرج عن مداره وظل يدور حول الأرض قرابة عشرة أيام، الأمر الذي جعل العالم في حالة من الرعب والهلع نظراً للأخبار التي تداولتها كثير من وسائل الإعلام العالمية والمؤسسات العاملة في هذا المجال عن صعوبة تحديد مسار الصاروخ وتحديد المكان الذي سيسقط فيه، فضلاً عن تداول كثير من المعلومات عن حجم الصاروخ الهائل، وظل المراقبون يخرجون كل يوم بتوقعات جديدة عن وقت سقوط الصاروخ ومكانه.
وقد نفت الصين كل هذه الأخبار ورأت أن هذا الهجوم يرمي إلى التقليل من شأن برنامج الصين الفضائي لتعارضه مع مصالح كثير من الدول، إذ ذكرت وكالات الأنباء الصينية أن حجم الصاروخ ليس كبيراً جداً وأنه حين يدخل الغلاف الجوي لكوكب الأرض سيحترق معظمه، وأنه في الغالب سيسقط في الماء الذي يمثل 70 % من مساحة الأرض، وكان من المرجح أن يسقط الصاروخ في التاسع أو العاشر من شهر أيار/ مايو، وهذا ما حدث بالفعل، إذ سقط الصاروخ فجر يوم التاسع من الشهر المذكور في المحيط الهندي دون أن يتسبب بأية خسائر، وهنا تنفس العالم الصعداء.
وعند التفكير في حجم الهجوم الإعلامي الذي لاقاه هذا الحدث نجد أن من المنطقي أن تتعرض الصين لمثل ذلك الهجوم بسبب صراعها المستمر مع الولايات المتحدة الأميركية في كل المجالات؛ الاقتصادية والسياسية والتقنية، والأهم من كل ذلك الجانب العسكري، فالحالة التي يعيشها العالم اليوم ليست سوى صراع بين عدد من الدول العظمى على الصدارة في المجال التقني، الذي ينجم عنه تصدرها في باقي المجالات. إن امتلاك أية دولة نفوذاً قوياً في الفضاء الخارجي يعني قوة عسكرية ضاربة لتلك الدولة في كل المجالات، فكل شيء اليوم يعتمد على الأقمار الصناعية المنتشرة في أرجاء الفضاء المترامية، كالاتصالات والقنوات التلفزيونية والزراعة والأنواء الجوية وغيرها كثير، فما بالك بامتلاك محطة فضائية متكاملة موجودة على نحو شبه دائم في الفضاء مع تقنيات متطورة.
لقد أعلنت الصين أن محطتها الفضائية لن تكون مشابهة لمحطة الفضاء الدولية، ولاسيما أنها أصغر حجماً منها بكثير، أي أنها لن تكون محطة دولية جديدة، ولكنها أعلنت أنها مستعدة للتعاون مع أية دولة راغبة في الدخول إلى هذا المجال، وبالنظر إلى أن عمر محطة الفضاء الدولية قد شارف على الانتهاء ومن المتوقع أن يجري إيقافها بين عامي 2024 و 2028، فإن المحطة الصينة ستصبح الوحيدة الموجودة في الفضاء عما قريب، ومن المتوقع أن تعمل ما يقارب عشرة أعوام الى خمسة عشر عاماً.