جبار عبد الله الجويبراوي /
جدّه سلمان الغيلان، واحد من أشهر شيوخ البو محمد الزبيدية، الذي أمر أبناء قبيلته بالوقوف ضد الاحتلال العثماني ومنع السفن الحربية من المرور في نهر دجلة ومقاومتها، وفرض الإتاوة على السفن التجارية ولم يسمح لها بالمرور ما لم تدفع الضريبة المطلوبة منها.
وكانت السلطة العثمانية المحتلة تتربص به الفرص فألقت القبض عليه وسجنته في الأستانة مدة لم تكن بالقصيرة ففقد بصره وعاد ضريراً. صار واحداً من أشهر حكماء العرب في جنوب العراق وقد نُشرت عنه الكثير من الحكايات.
ثورة المجر
عمّه محمد السلمان، الذي قاد ثورتين ضد أكبر مشيختين، إحداهما في أهوار المجر الكبير والأخرى في المجر الصغير في الأهوار الوسطى في مدينة العمارة في أربعينات القرن الماضي، ما دعا السلطة المركزية في بغداد إلى التدخل السريع في إنقاذ تينك المشيختين من السقوط وأرسلت القوات السَيّارة التي مخرت الأهوار وأخمدت تلك الثورات وأزاحت هذا الشيخ الثائر إلى منطقة الكميت، تلك البقعة التي نشأ بها الفلاح الثائر عبد الواحد كرم وعمره (16) عاماً وذلك عام 1943حيث ورد اسمه لأول مرة مرادفاً للفلاح فعل ضمد الشرشاحي، وكان لكل واحد منهما دور بارز في تفعيل انتفاضة آل إزيرج عام 1952.
كلف في مطلع حياته بإعداد مقالة عن معاناة الفلاح في ظل الإقطاعيات الكبيرة في مدينة العمارة ونُشرت في جريدة صوت الجنوب التي كانت تصدرها القوى التقدمية في مدينة البصرة.
انتفاضة الفلاحين
رشحته الجماهير الفلاحية أيضا بعد انتفاضة آل إزيرج بقيادة وفد من فلاحي العمارة لمقابلة المسؤولين في بغداد. وقد انضمت لهم مجموعة من الفلاحين القاطنين منطقة الشاكرية والعاصمة في بغداد فأصبح عددهم أكثر من (430) فلاحاً حيث تزامنت تلك التظاهرة مع انتفاضة كلية الصيدلة في بغداد.
وقد ارتفعت فوق رؤوس المتظاهرين الذين ملأوا شوارع بغداد لافتات تعرب عن التضامن مع فلاحي آل ازيرج ضد الإقطاع والسلطة الحاكمة، وهتفت عشرات ألوف الحناجر في العاصمة، وفي مدن أخرى أيام تشرين عام 1952(عاشت انتفاضة فلاحي آل ازيرج )، ( ليسقط الإقطاع ). كان ذلك تعبيراً عن التضامن والتحالف بين العمال وسائر أبناء الشعب في المدينة مع إخوتهم الفلاحين ضد العدو المشترك.
ومن أحاديث ومناقشات الفلاح عبد الواحد كرم تجد أن الرجل يمتلك خلفية ثقافية بحيث لا يستطيع أحد مناقشته لما يمتلكه من حجج وبراهين دامغة تسكت الآخرين.
في مقابلته لرئيس الوزراء (مصطفى العمري) يقول الفلاح عبد الواحد بادرني رئيس الوزراء قائلاً: ما ذا تريدون؟ هل تريدون أن تصيروا شيوخاً وهل تستطيعون أن تعمروا الأرض وتزرعونها بدونهم ـ يقصد الإقطاعيين ـ فأجبته (والحديث للفلاح عبد الواحد) وبلهجة فلاحية عميقة: وهل يا أستاذ الشيخ النائم بقصره يعمر الأرض؟ العتب عليكم فأنتم أعطيتموهم الأرض وحرمتمونا منها . . وبعد أن عرف رئيس الوزراء عمق طروحات الفلاح وقوة الحجة وإصرار الوفد وحجمه قال: عودوا إلى أهلكم ونحن ندرس الموضوع، وهي الطريقة المعتادة للمسؤولين آنذاك في تصريف مشاكل الناس أو القضايا التي تواجههم .
يستطرد الفلاح عبد الواحد كرم في حديثه: بعد عودتنا إلى أرضنا عزمنا على مقاطعة رجال الإقطاع وعدم الحضور في مضايفهم وعدم تقديم حصة الأرض . . وهكذا أصبحت المضايف خالية من الفلاحين فترك الإقطاعيون منازلهم وقسم كبير منهم هرب إلى بغداد بعد أن ضعفت سلطتهم وقلت وجاهتهم ولم يعد بإمكانهم إرغام الفلاح على عمل شيء بالضد من إرادته وخياره . .
وهكذا توفر هامش من الحرية، ونوع من السلطة المخالفة لسلطة الإقطاع وهي سيادة الفلاح على أرضه، وتوضحت عدالتهم التي عاشوها قرابة 3ـ 4 أشهر في أجواء مختلفة عن السابق.
الفلاح الثائر
ثم جاءت قوات الشرطة السيارة المعروفة بدمويتها لتنهي فصلاً من حركة انتفاضة آل ازيرج عام 1952 التي تعد أهم وأكبر انتفاضة في ريف جنوب العراق . .
في ثورة 14 تموز 1958 برز أبو سلام كواحد من أبرز الفلاحين الثائرين وأشرف مع عدد من الفلاحين في تأسيس الجمعيات الفلاحية في مدينة العمارة وضواحيها .
إلا إن ذلك لم يدم طويلاً، فبعد انقلاب شباط الأسود عام 1963 ألقي القبض عليه وحكم بـ (15 سنة) من قبل المجلس العرفي العسكري الأول في البصرة ومن اطلاعي على مقتبس الحكم الصادر بحقه ..
“لدى إجراء المرافعة وتدقيق أوراق هذه الدعوى فقد ظهر للمجلس أن المتهم (عبد الواحد كرم) كان عضواً مؤسساً في الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية المعروف بميوله الهدامة. وكان الموما إليه قد مارس النشاط الهدام بين الفلاحين والسذج من أبناء الشعب. وكان الموما إليه شارك في التنظيمات السرية بقصد تغيير نظام الحكم الموقر، ومما يدل على مدى خطورته دفاعه المستميت عن حزب عميل. لذا قرر تجريمه بالأشغال الشاقة لمدة ( 15) سنة” ..
بعد انقضاء مدة محكوميته، ترك الوطن الحبيب متخفياً حتى ألقى عصاه في مدينة (مالمو) في السويد وهو اليوم في العقد التاسع من العمر.
ولم يحصل على أية حقوق تقاعدية وحالته الصحية غير مُطَمْئِنة.