القانون في العراق القديم

أحمد جودة كاظم /

القانون هو مجموعة من القواعد والأسس التي تعمل على تنظيم المجتمع، إذ لا يستطيع المجتمع أن يعيش إذا كان كل أفراده يفعلون ما يروق لهم دون مراعاة لحقوق الآخرين، مسلّة حمورابي
أو إذا كان الناس لا يعترفون بأن عليهم التزامات معينة في مواجهة بعضهم بعضاً. ينشأ القانون بعد أن ينشأ المجتمع لأنه يعمل على تنظيم العلاقة بين الأفراد والمجتمع. ويتكون القانون من فرعين هما القانون الخاص والقانون العام اللذان يحتوي كل منهما على فروع عديدة.
التمدن والمجتمع المدني
تعد القوانين والنظم العراقية القديمة من أقدم القوانين الموجودة على مر التأريخ، إذ أن بدايات ظهور التمدن والمجتمع المدني كانت في العراق، فهو مهدٌ للحضارات الإنسانية وبلد الحرف الأول، كما أكدت ذلك الاكتشافات الآثارية التي جرت فيه والتي كشفت عن تنظيم قانوني ساد البلاد قبل آلاف السنين من ظهور القانون الروماني الذي كان يعد، وحسب رأي بعض الباحثين ومنهم الدكتور محمود سلام زناتي الذي ذكر في كتابه (قانون حمورابي) “أن القانون الروماني هو أول حلقات القانون التي عرفها التأريخ وهو قمة ما وصلت اليه الذهنية البشرية في نشأة التنظيم القانوني وهو الأصل الذي ترجع اليه معظم قواعد القوانين المعاصرة.” وهنا أصبح من المهم أن نسلط الضوء على أن بلاد وادي الرافدين هي مهدٌ للشرائع والقوانين ومنها انتشرت الأحكام والمبادئ القانونية الى كافة أنحاء العالم.
ملوك بابل
سبقت شريعة حمورابي أو مسلة حمورابي في ظهور تشريعات كثيرة وصلتنا من بلاد آشور نذكر منها شريعة أورنمو وكذلك مخطوطة أشنونا ومخطوطة لبت – عشتار ملك آيسن إلا أن “مسلة حمورابي”، وهو سادس ملوك بابل الذي أصدر شريعته في العام الثلاثين من حكمه، قد كانت أكثر تكاملاً وشمولية لكل نواحي الحياة في بابل آنذاك، واحتوت المسلة على 300 مادة تشريعية وقانونية تعرض بعضها للتلف وبقيت 282 مادة، وركزت على السرقة والزراعة أو رعي الأغنام، وإتلاف الممتلكات، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات وغيرها. وتختلف العقوبات على حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لأحد القوانين والضحية. ولا تقبل هذه القوانين الاعتذار، أو توضيحٍ للأخطاء إذا ما وقعت.
موروثات
نقشت هذه التشريعات على عمود من حجر الدايوريت الأسود ارتفاعه ثمانية أقدام أي 2،5 م وقطره 60 سم. وجدت المسلة في مدينة سوسه عاصمة عيلام أثناء حفريات البعثة الفرنسية (1901 – 1902 م) وقد نقلها الى تلك المدينة الملك العيلامي “شتروك ناخوتني” الذي غزا بابل نحو 1171 ق.م، ومن المرجح أنه محا جزءاً من القوانين ليسجل اسمه، إلا أن اللعنات المذكورة في خاتمة المسلة التي تصيب كل من يحاول أن يغير في المسلة قد منعته. يمثل الجزء العلوي من المسلة مشهداً يظهر الملك حمورابي وهو يستمع الى آله الشمس (شمش) وهو جالس على عرشه، ويحتوي على مقدمة ومن ثم القوانين التشريعية والخاتمة. ووضعت هذه المسلة في مكان عام في مدينة بابل لتتسنى للجميع قراءتها. وتعرض هذه المسلة الآن في متحف اللوفر بباريس، وتعد تلك القوانين من أهم الموروثات التي كان لها شأن كبير في تطور المجتمع وعلى كافة الأصعدة، فالنهوض بواقع أي بلد يعتمد على التشريعات والقوانين والأنظمة التي يكون على عاتقها صناعة مستقبل جميل لذلك البلد .