عبد الجبار خلف/
في جلسة جمعتني بالاستاذ الدكتور عبد الواحد محمد (مواليد العمارة : 1933)، المترجم المعروف، وبعد حوار عن الترجمة، سألته ان يستل لي يوما له خصوصية عنده، فما كان منه إلا أن يجوب خارطة سنواته ويقف على توهجات الأيام فيها وهو يقول:
في حياتنا تمر احداث صغيرة او كبيرة، نتذكرها أحيانا والابتسامة ترتسم على شفاهنا لأننا نتذكر الجانب الطريف او الغريب منها ولا ندري كم ان هذا الحدث في ظاهره البسيط قد صار خيطاً مبروماً في نسيج حياتنا الكاملة.
بعد لحظات من الصمت ارتسمت ابتسامة على شفتيه فقال: وما لا أنساه.. حول ذلك اليوم من صيف 1943، كنت في العاشرة من عمري، وكنت جالساً على ضفة النهر في مدينة الديوانية مع اثنين من أترابي نرقب (الدردورات)، اي الأمواج التي تحدثها الأحجار التي نلقي بها في النهر، بمتعة وانبهار كبيرين، وكنا نقذف الأحجار احياناً بطريقة نجعل فيها الحجر يقفز مرتين او ثلاث مرات قبل ان يغطس في الماء، وكان التنافس بيننا حول من يجعل الحجر يقفز مرات أكثر او أعلى او أبعد مسافة.
أضاف بصوت عذب: كان البال صافياً والنهر هادئاً وبراءة الطفولة تتوثب في دواخلنا، وشمس الغروب تداعب عيوننا بلونها الوردي المتوهج، وخلف ظهورنا.. كانت ابنة عمي تلعب مع ابنة الجيران، كانت في الرابعة من عمرها تقريبا، وعلى حين غرة.. ولا ندري كيف.. سقطت ابنة عمي في النهر، فما كان مني، وقد رأيتها، إلا أن انتفض من جلستي وأقذف بنفسي في النهر بلا رويّة او تبصر فأمسك بتلابيبها وارفعها من الماء الذي غطست فيه وأدفعها الى أصدقائي، ليساعدوني في جرها الى الضفة والماء يقطر من ثوبها وشعرها والدهشة والخوف باديان على وجهها.
يتوقف عن الحديث وهو يتأمل البعيد ثم يقول: ومرت الأيام، وكبرت، وتنقلنا ما بين الديوانية والمسيب وبغداد، ويدور الزمن.. ويحدث الذي لم يكن في الحسبان، فالبنت الصغيرة التي انقذتها من الغرق صارت زوجتي!!، فمن كان يصدق او يفكر أن ابنة عمي هذه التي انقذتها من غرق محقق ستكون (أم عيالي) في يوم من الأيام، ومن يدري أن لحظات اللعب بالحجر ستكون لحظات حاسمة في تحديد مسار حياتي.
واختتم الاستاذ عبد الواحد محمد استذكاره لليوم المميز في حياته قائلا: تذكرت ذلك اليوم بما فيه ووجدتني ابتسم له، فهو يوم جعلني لا أنساه ، فقد احتفظ لي بذكرى لا تنسى!.