#خليك_بالبيت
مقداد عبد الرضا /
لو اننا اقتطعنا ازمان العنف والانقلابات في البلاد اما كان بالامكان ان تكون لدينا سينما نفتخر بها وتسجل خارطة البلاد ضمن خرائط العالم,هناك دراسة تقول ان بداية صناعة السينما في البلاد كانت تبشر بأمل كبير وحوافز تجعل من بعض رؤوس الاموال شجاعة لتدخل في الانتاج,وهناك دراسة ايضا تقول بان كل الافلام التي انتجت في بداية الانتاج السينمائي المحلي كانت تدر ربحا طيبا بما يتناسب وتلك الفترة,ان التبدلات التي حصلت في البلاد جعلت من رؤوس تلك الاموال (خوافه).
اختلفت الاراء حول انشاء اول دار عرض سينمائي في بغداد, بل لنقل متى بدء اول عرض وأين, ولكي نقف على حقيقة الامر فلقد استطعنا ان نطلع على بعض الوثائق المثبتة التي تشير الى ذلك, شاهد العراقيون اول دار للسينما تعرض الافلام عام 1909 وذلك عندما شيدت سينما(بلوكي) في محل شركة كهرباء بغداد في محلة العبخانة حاليا وكانت تعرض الافلام الصامتة التي تمثل حياة رعاة البقر, كانت المقاعد قذرة والمكان يكاد ان يكون شبه مظلما ورطبا والدار خربة(كيف يمكن ان تكون خربة وهي التي شيدت لتوها؟), ولقد ظلت هي الدار الوحيدة للسينما في العراق الى ان افتتحت دارا ثانية هي سينما(عيسائي) في محلة رأس القرية بالقرب محلات اوروزدي باك القديمة والتي كانت لاتقل عن سابقتها قذارة وضوضاء وعدم راحة, بعدها تم افتتاح دار ثالثة بأسم(سينما اولومبيا), وكان مقرها في شارع الرشيد محلة سيد سلطان علي, كانت تعرض نفس افلاما مثل(عصابة نيويورك والبنت الرئيسة ورعاة الخيل), وبعد هذه الدور افتتحت سينما سنترال ومحلها في شارع الرشيد بدل سينما الرافدين الشتوية المحترقة حيث كانت بالنسبة لسابقاتها ارقى وأفضل من حيث راحة الجمهور والبناء والافلام التي تعرض, لكننا اذا مادققنا النظر فأننا سنجد ان هناك رأى آخر يختلف كثيرا عن بداية نشوء اول دار عرض سينمائي في العراق, اذ اطلعني الاستاذ الراحل جميل الطائي مشكورا على يوميات احد الاساتذة وهو خلف الجنابي الذي يقول( لم نتدخل في صياغة مفرداته بل تركناها كما هي), عند شارع النهر كانت تقع فيه السينما الوحيدة في بغداد والتي وجدتها بين اوراقي القديمة والتي شيدها سلمان الجنابي السائق الوحيد في العراق وقد اطلقوا عليه لقب قاطع الصحراء وكان يلقب ب( سلمان ابن زبيدة), وهذه الدار كانت مجاورة لبيتنا, سلمان ابن زبيدة هذا كان له اصدقاء لبنانيون يسمونهم(بيت عابدين) ولهم اخوة في بغداد التي سكنوها طويلا, كان هؤلاء يمثلون شركة( كرايسلر الامريكية)للسيارات وموقع هذه الشركة كان مقابل شارع باب الشيخ الذي يبدأ من شارع الرشيد حيث هناك ركن يمتد من شارع النهر, عند نهايته كان يقع بيت المرحوم عبدالرحمن النقيب اول رئيس وزراء للعراق في فترة الملك فيصل الاول رحمه الله والذي اصبح مشغولا من قبل( معرض الرواد للمهندسين العراقيين), بيت عابدين قرروا الرجوع الى لبنان لارتباطهم في مشاريع صناعية كبيرة هناك وقد كنت قد تعرفت عليهم, والذي عرفني بهم هو(سلمان ابن زبيدة قاطع الصحراء), لما قرر هؤلاء الرجوع الى لبنان اعطوا فكرة انشاء اول دار عرض سينمائي الى ابن زبيدة هذا وشجعوه على تنفيذها, فكانت خير وسيلة لاهالي بغداد, ومنذ ان تأسست تلك الدار لم يخطر في بال اى عراقي ان يؤسس في تلك الفترة دارا اخرى للسينما في بغداد, ولااعطاء فكرة صحيحة عن الموقع فهي تبدأ من بداية الدخول الى زقاق (دربونة الجنابيين), القسم الذي يسمونه(تويرات) وهو مجاور تماما الى شركة (بيت لنج) المعروفة والمشهورة والباقية الى يومنا هذا, وتقابل ايضا زقاق(دربونة سويفات) التي تمتد حتى الشيخ عبدالقادر الكيلاني, نعود الى مدخل زقاق التويرات المجاور من جهة بيت لنج حيث الركن المجاور له والذي كان يشغله الى وقت قريب المصور(بابل) وعند سفرك باتجاه شارع النهر كانت تقع تلك السينما والتي كانت تعرض افلاما صامتة ويعتمدون في افلامهم على ممثلين مشهورين يعتمران فوق رأسيهما(شفقة) من الحصير, احدهما حليق الشارب ويضع نظارة على عينيه وله كنية كان اهالي بغداد يطلقونها عليه وهي(لوك أبو المناظر), والاخر يضع شاربا كثا بشكل ملفت, وكانا يتبادلان النكات والمقالب الى حد يجعل عابر السبيل يدخل الى السينما في اثناء العرض ويظل واقفا ليشاهد ماتبقى من الفيلم وهو غير آسف لان الدقائق المتبقية من الفيلم كافية لان تجعله مستغرقا في الضحك, اما الفيلم الكوميدي الاخر فكان لشارلي شابلن والعملاق, كان شارلو يبدو قزما امام ذلك العملاق ومحولا اياه الى اضحوكة تحت شباك نكاته وذكائه الغير محدود, تلك الحركات التي لاتنتهي عند حد, كانت افلامه دائما مدعاة للاعجاب والضحك الذي يكون احيانا اقرب الى الضجيج, اما الفيلم الرئيس فكان بطله يدعى ايملو ويجسد فيه شخصية طرزان الذي كان يظهر نصف عار ومزود بالخناجر والسكاكين بالاضافة الى النبال يرافقه في مغامراته تلك صديقه قرد شمبانزي كبير الحجم والاسد الذي رباه طرزان حيث يقاتل الوحوش في الغابة وكان شغلهم الاساس هو حراسة الداخلين الى الغابة من العلماء والمكتشفين مقابل اجورا عالية كان طرزان يتقاضاها, لذلك كنا نشاهد الكثير من الالتحامات, وأذا أشتد القتال فأن طرزان يستعين بفيلة عملاقة يضع العلماء والمكتشفين فوقها لحمايتهم ريثما تحسم المعركة لصالحه بالتأكيد, كان ايملو وأعني به طرزان وصديقه الشمبانزي يميلون في قتالهم الى طريقة ثانية حيث كانا يصعدان فوق الاشجار حيث توجد هناك الكثير من الحبال التي صنعها طرزان لتمكنه من التحرك بسهولة في ارجاء الغابة اذ يمسك هو والقرد الحبل و(يشمر) نفسه بقوة على الشجرة المقابلة والتي بدورها تساعده على ان يطير بحبل آخر كى يجد نفسه وقد اصبح فوق ظهر اسد شرس وقاطع للطريق وهنا تجري معركة حامية بين الاسد وطرزان يتقافز فيها الشمبانزي قلقا على حياة صديقه طرزان والاسد الاريب يساعده على حسم المعركة لصالح الاصدقاء الثلاثة اذ يتم القضاء على الاسد المعتدي لتنتهي بتصفيق حار من المشاهدين وتأتي النهاية، لقد كنا لاننقطع عن زيارة السينما وننتظر بلهفة الفيلم الجديد للاسبوع القادم.
النسخة الألكترونية من العدد 361
“أون لآين -4-”