بدايات السينما في البلاد

#خليك_بالبيت

مقداد عبد الرضا /

نسمع دائماً عن الإنتاج المستقل والمحلي في البلاد لا سيما على مستوى الفنون البصرية، ومنها السينما أنه إنتاج خائف أو جبان، أنا أرى العكس في ذلك لا سيما في البدايات، إذ إنَّنا لو أجرينا استفتاءً بشأن هذا الأمر لوجدنا البعض ممن استهواهم (غرام السينما) قد باع ما يملك من عقار أو رهن (ذهبات) زوجته من أجل أن ينتج فيلما سينمائيا، أولئك البواسل نرفع لهم القبعات، لكن المؤسف في الأمر أن هؤلاء الأشخاص تعرضوا إلى خسائر كبيرة وتركوا الجمل بما حمل لأسباب كثيرة؛ أولها عدم استقرار البلاد على الاطلاق ونشاط شركات الاستيراد والنظرة التي كان ينظر بها المجتمع إلى “جريرة الفن”، كل ذلك أسهم في غلق الطريق وخفوت تلك الأصوات المضحية.
كانت دور العرض السينمائي بالنسبة لتجار ذلك الوقت سلاحاً ذا حدين، أولهما بث الثقافة والمتعة للمشاهدين والثاني الربح المادي، إذ كانت تجارة الأفلام آنذاك وسيلة من وسائل العيش الرغيد، وعلى إثر ذلك افتتح كثير من دور العرض المستوفية للشروط الصحية ووسائل الراحة، فلقد تمّ افتتاح سينما العراق في محلة الميدان وأعقبها افتتاح سينما رويال عام 1930 ثم ظهرت أول سينما صيفية بجانب الكرخ تحت اسم ليالي الصفا، واستمر فتح دور العرض، نذكر منها، سينما الوطني تأسَّست منذ عهد بعيد وأعيد افتتاحها عام 1939، أسَّستها شركة السينما البغدادية المحدودة برأسمال قدره (135) ألف دينار عراقي وتقع في شارع الرشيد محلة سيد سلطان علي، وسينما الزوراء تأسَّست عام 1936 وتعود إلى الياس دنوس وسليم شويحط وتقع في شارع الرشيد محلة المربعة، وسينما غازي أسَّستها عام 1934 شركة سينما الملك غازي وتقع في الباب الشرقي عند بداية شارع الملك غازي، وسينما الرشيد أسَّسها عام 1937 الوجيه صجان انطوان مستييح وسوداني اخوان وتقع في شارع الرشيد مقابل جامع سيد سلطان علي بجوار سينما الوطني، وسينما الحمراء تأسَّست عام 1935 ومؤسسها الوجيه السيد اسماعيل شريف وتقع في شارع الرشيد قرب جامع مرجان، وسينما الفردوس التي تأسَّست عام 1947 وتقع في شارع الملك غازي محلة بني سعيد، وسينما الارضرملي (بغداد) تأسَّست عام 1947؛ مؤسسها قدري الارضرملي وتقع في شارع الحسين بجانب الكرخ وهي أول سينما شتوية تأسَّست في جانب الكرخ، وسينما دار السلام تأسَّست عام 1944 وتعود ملكيتها إلى السيد عبد الرزاق الشيخلي وشركائه وتقع عند شارع الملك غازي محلة قهوة شكر، وسينما ديانا تأسَّست عام 1943 ومؤسسها الخضيري هاجا الذي جاء من بعده السيد صائب الجصاني وتقع في شارع الملك غازي محلة السنك، وسينما النجوم تأسَّست عام 1948 ومؤسسها الوجيه السيد سليم الاطرقجي وتقع عند شارع الملك غازي محلة السنك، وسينما النصر تأسَّست عام 1947 ومؤسسها الوجيه اسماعيل شريف وتقع في شارع السعدون محلة البتاوين، وهناك عدة دور للعرض انقرض قسم منها وشُيِّد آخر مثل سينما الرافدين الشتوية المحترقة وسينما متروبول المتعطلة وسينما الاندلس التي شيَّدها الوجيه طه الشبلي، ثم هناك أيضا سينما مترو التي شُيِّدت في عام 1947 وسينما ريجنت الواقعة في جانب الكرخ، وهناك دور أخرى للعرض صيفية تتوقف طيلة مواسم الشتاء والربيع والخريف، نذكر منها سينما الملك فيصل وسينما هوليوود اللتين تقعان بجانب الكرخ، وسينما الرشيد التي تقع في شارع الرشيد وسينما تاج مقابل سينما غازي، وسينما دار السلام في شارع الملك غازي.
ماذا سيحدث لو أن رجلين يركبان عربة تحمل إعلانات سينمائية يجرّها حصان تدور في شارع الرشيد، الرجلان يروّجان بالصراخ أو الأغاني للأفلام التي ستعرضها إحدى دور السينما؟ هذا ما كان يحدث في الماضي، لكن لو حدث الآن فإنّه سيبدو غريبا تماما، وبين موافق ومعارض، سيجد الرجلان اللذان يركبان العربة للترويج أنّهما أصبحا من الماضي، لأنَّ الناس الآن لم تعد تتغنى بأي شيء على الاطلاق، وليس هناك شيء يثيرها، فلقد تبدّل الزمان، كان عباس حلاوي حينما يمر مروجاً لإعلاناته في سينما سنترال التي كانت تقع قرب تكية البدوي، تجد الناس يتحلّقون حوله بل إن بعضهم ينتظره بصبر ليعرف ما الجديد في العرض السينمائي، حتى أن بعض الناس يساعدونه على قوت يومه من أجل السينما، عباس حلاوي كان ينادي أو يصرخ وربّما يتغنّى (الليلة عدنه تبديل، أربع مناظر، ستة ادي بولو، اثنين طرزان، اثنين جاكي كوكان) تلك هي الأفلام التي كانت تعرض آنذاك، ثم تطوَّر الإعلان بعض الشيء لظهور الصحف، فمثلا كنت تقرأ (إعلان، السينما العراقي في الميدان، الامير نيلسن، حادثة تاريخية عظيمة من 8 فصول، يفتتح قريبا في محلة الميدان، سينما جديدة، أنشئت على أحدث طراز تعرض فيها الشرائط الفاخرة من الدرجة الاولى، وسيُعرض في يوم الافتتاح شريط يمثل واقعة بحرية تاريخية عظيمة اشتهر فيها الادميرال نلسن بتدمير أسطول (الانبراطور) نابليون بونابارت وقضى بذلك على آمال هذا (الانبراطور) العظيم، إنَّ هذا الشريط كلّف صنعه 75 الف ليرة انكليزية، وقد علمنا أن هذه السينما سعت في ترجمة وشرح وقائع هذه الروايات، والحقّ نقول إنّه مسعى جميل يشكر عليه القائمون غاية الشكر) .. من هذا الإعلان الذي يعود تاريخه إلى عام 1918 نعرف أنّ تاريخ إنشاء دور السينما في العراق يبدأ من العقد الثاني للقرن الماضي، وتأكيداً لذلك يذكر الاستاذ عباس بغدادي في كتابه الموسوم بغداد في العشرينات ما يأتي: (أما السينمات فكانت السينما العراقي في محلة الميدان، ورويال سينما في باب الاغا، وسنترال سينما في محلة العمار، ثم سينما اولمبيا في محلة المربعة والسينما الوطني التي تعدّ هي الأضخم والأروع من ناحية التصميم والاثاث لكن سينما رويال التي كانت عائدة إلى آل السيد يحيى ويرتادها التجار والملاكون في بغداد هي الاهم على الاطلاق، المقاعد فيها كانت وثيرة ومغطّاة بالمخمل (وألواجها) ذات خمسة كراسي وستائرها هي الاخرى مخملية تفصل بين (لوج وآخر) وفي واجهة كل (لوج) لوحة لأحد الرسامين، حتى لكأنّ المكان يوحي بأنّه قطعة من دار الاوبرا في باريس أو لندن، وكان لها بابان، الأول يقع عند شارع الرشيد في باب الاغا والثاني باب خلفي يتّصل بدربونة ال الوز، وكانت هذه السينما أول ما رأيت، إذ أخذنا المرحوم السيد أمين الخضار ونحن لما نزل تلاميذ في الصف الثاني الابتدائي بعد أن استطاع أن يقنع الاولياء بأن السينما ليست من الأمور المحرمة، وعرض علينا منظراً من الحرب العالمية الاولى وبعض المناظر الهزلية.

النسخة الألكترونية من العدد 362

“أون لآين -5-”