د.حسن عبد راضي /
اندلعت التظاهرات مطلع تشرين الأول، واندفع الشباب للالتحاق بها مطالبين بالإصلاح السياسي الشامل. وعند استعراض تاريخ الاحتجاجات في العراق ما بعد 2003، سنجد أن أبرز موجة احتجاجات سلمية هي تلك التي انطلقت عام 2015، وكان شعارها ومطلبها الأساسي الإصلاح السياسي أيضاً، فضلاً عن شعارات فرعية من قبيل توفير الخدمات وفرص عمل للشباب، فضلاً عن ملف الخدمات الغائبة عن الشارع.
التحرير اليوم
بدءاً، فإن عنوان المادة هذه اقتبس من رسالة للسيد عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء وجهها مؤخراً وهي، (الجملة)، الوصف الحقيقي للإنجاز الذي حققه شباب تشرين سواء في بغداد أو في محافظات الوسط والجنوب .
يضج التحرير اليوم بآلاف المتظاهرين الذين نفد صبرهم بانتظار أن تتحقق وعود الحكومات المتعاقبة في تحقيق الحد الأدنى مما يصبو إليه الشعب العراقي بعد انتظار دام ستة عشر عاماً، ظلت فيه منظومات الفساد تتسع وتتفرع، وظل المواطن العراقي يعاني أشد المعاناة من نقص الخدمات أو انعدامها، ناهيك عن العنت الذي يواجهه في كل معاملة رسمية والتضييق عليه بالمزيد من الإجراءات البيروقراطية وانتشار الرشا بين موظفي المؤسسات الحكومية وبيع الدرجات الوظيفية.. هذه الأمور مجتمعة أدت إلى أن ينفجر المرجل الذي كان يغلي، ويصبح الشعار الأكثر شيوعاً وانتشاراً في ساحات التظاهر والاحتجاج سواء في بغداد أو في محافظات الوسط والجنوب هو إزاحة طبقة الفاسدين والمطالبة بإجراءات جذرية.
بيد أن المراقب المنصف يجد أن هذه الإجراءات لو تمت بالطريقة المتسرعة التي يراد لها أن تتم بها، فلربما من شأنها أن تقود إلى فوضى وفراغ سياسي وإداري يصعب ملؤه في الوقت القصير المتاح، ولاسيما دون تعديل حقيقي في الدستور واستمرار الوضع السياسي على ما هو عليه الآن..
إجراءات حكومية
منذ انطلاق شرارة الاحتجاجات في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، بادرت الحكومة بإطلاق بيانات تضمنت حزمة من الوعود الإصلاحية من قبيل توفير فرص عمل للعاطلين عنه، وتوزيع قطع الأراضي على العائلات التي تعيش في هوامش المدن التي سميت بـ “الحواسم او التجاوز” فضلاً عن توزيع منحة الإعانة الاجتماعية على المسجلين لدى وزارة العمل من العاطلين أو الباحثين عن فرص العمل وحددت مدة المنح بثلاثة أشهر، غير أن هذه الإجراءات لم تلقَ قبولاً في البداية لدى المحتجين ولا لدى الجمهور العام، خشية أن يستمر بعضها حبراً على ورق ريثما تنطفئ جذوة المظاهرات، ثم يُميَّع الموضوع كسابقاته من الوعود “الكهربائية”، أي التي كانت كل صيف تؤمل المواطن بأنه سيحصل على كهرباء أفضل ثم يأتيه الصيف فـ “يُشوى على نار هادئة”.
ثم جاءت بعد ذلك كلمة رئيس الجمهورية برهم صالح التي عرّج فيها على جملة قضايا، واشتملت كلمته على مقترحات إصلاحية من قبيل الإسراع في إقرار قانون مجلس الخدمة الاتحادي، وحسم ملفات الفساد العالقة في المحاكم أو في هيئة النزاهة وتوفير فرص العمل وفسح المجال لدخول الاستثمارات الأجنبية وتشغيل الأيدي العاملة العراقية ومقترحات أخرى.
تنفيذ
لكسب ثقة المتظاهرين خاصة والشعب عامة، تم الإعلان عن توفير (202) ألف درجة وظيفية لسنة 2020 و “(29) ألف درجة لسنة 2021 بعد تنفيذ قانون التقاعد الموحد الذي نصبو إليه”، كما صرح السيد محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب. وتم الإعلان عن فرز 60 دونماً كأراضٍ سكنية سيتم توزيعها مع تسهيل القروض المصرفية عامة وقروض مصرف الإسكان خاصة ليبدأ البناء، وسيتم منح القروض للجميع وبضمنهم المتقاعدون والكسبة، وتم الانتهاء من جداول رواتب الإعانات الاجتماعية، وتمت القراءة الأولى (لغاية كتابة هذه المادة) للعديد من القوانين الجديدة أو القوانين التي عدلت، ومن بينها قانونا التقاعد الموحد ومن أين لك هذا، وشكلت لجنة برلمانية لتعديل الدستور والتي خصصت نافذة إلكترونية في الموقع الرسمي لمجلس النواب كي يرسل المهتمون والمتظاهرون مقترحاتهم الى اللجنة .
لكن المتظاهر العراقي يريد أن يلمس واقعاً، بعض من التقيناهم في التظاهرات عبّروا عن مخاوفهم أن يتم تعامل الجهات المختصة مع هذه الإجراءات الإصلاحية كما حدث مع قرار مجلس النواب بتعليق عمل مجالس المحافظات على سبيل المثال، فهناك بعض المجالس التزمت بهذا القرار وبعضها طعنت به لدى المحكمة الاتحادية ولغاية صدور رأيها، على جميع المجالس أن تذعن لهذا القرار، لكن مجلسي محافظتي المثنى وواسط يمارسان عملهما إلى الآن، بل أنهما اجتمعا لإقالة المحافظَين! إن من شأن هذه الشكوك أن تقوض أية جهود تسعى إلى التفاوض مع المتظاهرين للوصول إلى تصورات للحلول المطلوبة أو للإصلاحات المراد تحقيقها.
بيانات المرجعية
لم تدّخر المرجعية الرشيدة جهداً في دعم مطالب الشعب العراقي وحقه في الحصول على الخدمات والعيش في دولة تحفظ له إنسانيته وكرامته، فلقد كانت خطبتها الأخيرة يوم الجمعة تعضيداً لمطالب المحتجين ودعماً غير محدود لمطالب الشعب العراقي في التغيير الحاسم، الذي يحلمون به من أجل إرساء دعائم دولة حقيقية قوية وعادلة، كما أن الخطبة اشتملت على نقد واضح “لمن هم في السلطة” لتقصيرهم في تحقيق أحلام الشعب العراقي على بساطتها، ذلك أنها، ويا للألم، لا تتعدى المطالبة بالحقوق الأساسية التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهم ليسوا معنيين بالرفاهية بقدر عنايتهم بالحصول على التعليم لأبنائهم أو الرعاية الصحية أو حرية الرأي أو المعتقد والحصول على فرص متساوية في العمل والدراسة وغيرها، وهي لعمري من أبسط الحقوق لمواطني دولة نفطية غنية بالموارد الطبيعية.