باسم عبد الحميد حمودي /
اهتم الكثير من الأدباء والساسة وعموم المثقفين العراقيين بمدنهم فكتبوا عنها وعن تواريخ ظهورها كمنتجعات سكانية وعن عادات أهلها ووقائعهم الشعبية والتاريخية.
وحظيت بغداد عند مثقفيها وعارفي فضلها بالكثير من المؤلفات التاريخية والفولكلورية مما لايحاط بتفاصيله في مقالة قصيرة كهذه, وحسبنا أن نشير إلى جهود الأساتذة مصطفى جواد وأحمد سوسة وميخائيل عواد ومحمود فهمي درويش وعزيز جاسم الحجية وعبد الحميد العلوجي وأحمد الجزراوي وخالد السعدون وسواهم في السنوات الأخيرة.
وقد تصدى المحامي الأستاذ طارق حرب منذ سنوات للكتابة عن بغداد في مجموعة كتب ودراسات منها: وزراء بغداد – متصوفة بغداد –بغداديات تراثية.
وجاء كتابه الرابع (التراث البغدادي بين العصر العباسي والعهد الملكي) الذي صدر الجزء الأول منه حديثاً ليغطي نماذج من التاريخ الشعبي والسياسي لبغداد في مجموعة مدونات طريفة دالّة.
سلّط الكاتب أضواء دراسته عن المرأة البغدادية والمدارس الفقهية وقيان بغداد وموسيقاها والمقامات والقضاة والحمامات والأسواق ودور الدولة والشخصيات والمغنين والمغنيات والعلماء وأساطين الفقه والأدب في جمع منوع طريف من المعلومات والوقائع التي جاءت في ألف وخمسمئة صفحة ممتعة تستحق القراءة والإشادة.
من طرائف الكتاب
جاء في مقدمات الكتاب الحديث عن غطاء الرأس عند البغدادي في الثلث الأول من القرن العشرين, وقد أشار المؤلف إلى أن من العيوب الاجتماعية آنذاك أن يخرج الرجل خارج منزله دون غطاء رأس متحدثاً عن أغطية الرأس المختلفة في ذلك الزمان ومنها:
-سدارة الملك فيصل الأول والتي سميت بالفيصلية وارتداها موظفو الدولة.
-عمامة السيد محمد الصدر السوداء وهو رئيس مجلس الأعيان ورئيس الوزراء سنة 1948.
– طربوش الوزير ساسون حسقيل.
-عقال سكان بغداد ممن سكنها وجراوية سكانها.
-الكشيدة والكلاو والفينة وغير ذلك من تفاصيل طريفة.
حرامي بغداد
اشتهرفي منصف القرن العشرين فيلم أمريكي باسم (حرامي بغداد) عن الصبي سابو، وعرضته دور السينما الشعبية مراراً لطرافته، لكن طارق حرب يأخذنا الى صفحة اللص الظريف (ابن حمدي) الذي درّبه أبو القاسم البغدادي في القرن الرابع الهجري.
وكان ابن حمدي سابقاً للسيد روبن هود بسنوات وهو يسرق الزناكين (الأغنياء) ويصرف على الفقراء.
كان ابن حمدي يستولي على قوافل التجار ويأخذ (حصته) قسراً ولكنه كان قد اتفق مع مدير شرطة بغداد على تسليمه حصة مما يفيض ولما نكث ابن حمدي الاتفاق أمر رئيس الشرطة بقتله.
مختبر محمود فهمي درويش
عرف الناس المختبرات الرسمية والأهلية اليوم، لكن أقدم مختبر أهلي يحلل الأمراض في بغداد أسسه الأستاذ درويش نحو عام 1936 باسم (مختبر ابن سينا). والأستاذ فهمي درويش عالم من طراز خاص فهو ظليع في العلوم الطبيعية ما منحه إجازة المختبر وهو أستاذ في اللغة والأدب وكان واحداً من مؤلفي تاريخ بغداد مع الدكتور مصطفى جواد في ستينات القرن الماضي!
عيشة بنت الباشا
في الفصل الخاص بـ(سيدات البلاط العثماني ببغداد في النصف الأول من القرن الثامن) يتحدث حرب عن تأثير زوجات الولاة العثمانيين (مثل أحمد باشا وحسن باشا وإسماعيل باشا وسواهم) على مقدرات السياسة في بغداد وما جاورها:
في مقبرة زمرد خاتون المقرنصة (وهي زوجة الخليفة المستضيء) بالكرخ دفنت عائشة زوجة حسن باشا الجديد الذي سمى شارع جديد حسن باشا باسمه, وكانت مقبرتها مرتفعة تطل الشمس عليها, لذلك غنى الأطفال ببغداد:
طلعت الشميسة
على قبر عيشة
عيشه بنت الباشا
تلعب بالخرخاشة
وعيشه هذه زوجة حسن باشا وابنة والٍ سبقه هو أحمد باشا.
مئتان وعشرون مادة
وبعد.. فإن الجزء الأول من كتاب (التراث البغدادي) يجمع أكثر من 220 مادة بغدادية في صابئة بغداد وخطاطيها ومتصوفتها ودراويشها ونسائها وصاغتها وعاداتها وتقاليدها وشخصياتها الشعبية وحكامها ومطربيها وراقصاتها وملاهيها ودور العبادة فيها وأزياء أهلها وأعيادهم وطقوس أحزانهم، ما يشكل إضافة نوعية طيبة لكل متابع للتراث العراقي الأصيل.