انسام الشالجي /
مما لا شك فيه أن الإصرار خصلة حميدة لتحقيق هدف ما، هدف نبيل لا يضر بصاحبه ولا بالآخرين، أما العناد فغالباً ما يكون مضرّاً بصاحبه خاصة وبالآخرين عامة. بين الإصرار والعناد شعرة قد تدمر العلاقات الاجتماعية سواء بين الزوجين أو الأصدقاء أو الزملاء في العمل، وقد يضر بالمصلحة العامة.
المصلحة العامة
كلنا نذكر تصريحاً لمسؤول عراقي كبير قبل سنوات عن عدم تمرير الكتل السياسية لمشروع كان قد تقدم به إلى مجلس النواب كي لا يقال إن هذا المشروع قد قام به المسؤول صاحب التصريح. إن عناد الكتل السياسية حينها في عدم تمرير المشروع أضرّ كثيراً بالمصلحة العامة، ربما اعتبرته الكتل إصراراً لمصلحة ما، لكنه كان عناداً مضراً. هذا المثل كان لشرح ما قصدته بالمصلحة العامة. والشباب الذين يملأون الساحات الآن في بغداد ومحافظات أخرى مثال على الإصرار لأجل المصلحة العامة أيضاً.
مرض نفسي
تقول يسرى (اسم غير حقيقي- 37 سنة) إن لا علاقات اجتماعية لديها وسبق لها الطلاق لمرتين، سألتها عن السبب فقالت ببساطة إنها لا تقبل أن (يعاندها) الزوج الذي يفترض أنه يحبها ويحترمها ويقول إن اللبن أبيض وهي (تصر) على أنه أسود! وتعتبر (عناده) تصريحاً بعدم حبه لها أو عدم تقديرها. وهي تحاول أن تشير إلى أمثلة أخرى توضح عدم حب الزوج وعدم احترام الصديقات وزملاء العمل.
أكدتُ لها أنها مريضة بعناد لا معنى له وأن هذا السلوك مدمر لأن (الإصرار) على الخطأ او العناد يعني أنها مريضة نفسياً وتحب التسلط الذي يدمر أية علاقة، ليس بين زوجين محبّين فقط، إنما حتى بين الأصدقاء وزملاء العمل. وأثناء المناقشات مع يسرى لعلاجها وتنظيم أسلوب حياتها، عرفت أن أساس عنادها لدرجة التسلط كان بسبب والدها ومعارضته الدائمة لوالدتها وتسلطه عليها ومخافة أن تصبح منكسرة مثل والدتها، فأصبحت تتصرف كوالدها مع زوجيها والآخرين.، واقتنعت أن تتعالج عند طبيب نفساني. وبالفعل أصبحت تتردد على طبيب معروف، وبعد أشهر العلاج جاءتني لتقول إنها تشعر وكأنها بدأت حياة جديدة، فقد قدمت نقلاً إلى دائرة أخرى في الوزارة نفسها وأصبحت تتعامل مع من معها بلا ندّية أوعناد وكسبت احترامهم.
الحب علاج
في ورشة عمل، للتدريب على السيطرة على النفس، قالت ليلى (اسم غير حقيقي- 50 سنة) إنها تحب زوجها خاصة وهي أم لشابين في مرحلتهما الجامعية، لذلك لا تريد الطلاق وتبحث عن حل لتعرف كيف تتعامل مع زوجها الذي أصبح يتصرف حتى في أمور البيت دون استشارتها، ما يؤثر على علاقتهما وعلاقته مع الولدين وأهلها. وكان الزوج قد مر بمشاكل مادية أثرت على تصرفاته وجعلته عنيداً جداً ولاسيما في الدفاع عن أخطائه. قلت لها إن حبها له وجهودها لإبعاد شبح الطلاق نقطة مهمة، فضلاً عن معرفتها بالسبب الذي أدى به إلى العناد وإن عليها أن لا تناقشه بقراراته التي لم يقم باستشارتها بها، وأن لا تشير إلى أخطائه أمامه دوماً، إنما عليها أن تنفذ القرار الصائب دون أن تشعره بما تفعله وسيلمس بنفسه أنه كان على خطأ، ومهم جداً أن لا تطالبه بالاعتذار بعد اكتشافه لأخطائه، وعليها أن تشعره بحبها دائماً. وبعد أشهر على انتهاء الورشة جاءت لزيارتي مع زوجها الذي شكرني وأنه اكتشف خطأ عناده الذي كاد أن يدمر حياته الزوجية، وأكد أنه عرف الفرق بين الإصرار والعناد، فإصرار زوجته بالمحافظة على حياتهما الزوجية أنقذه من تدمير نفسه.
الزمن
ربما هناك من سيسألني إن كان العناد مع الزمن أو الظروف مرضاً نفسياً أيضاً؟
وجوابي سيكون (كلا) قطعاً، فالعناد هنا هو الإصرار بعينه، فالذي يعاند الزمن أو الظروف وصولاً لهدف أو تحقيقاً لحلم، فإن هناك مئات القصص حولنا عن النجاحات التي حققها معاندو الزمن والظروف، وللمثال وليس الحصر، قصة الطالب حسن محسن معروف، الأول على العراق للعام الدراسي ٢٠١٨-٢٠١٩ بمعدل ٩٩،٨٦ والذي عاند الظروف، ظروف بعده عن مدرسته الثانوية بنحو ٢٥ كيلومتراً حيث يسكن في قرية نائية (الحوس) تتبع قضاء قلعة سكر شمالي الناصرية وظروف عائلته المادية، وللعلم فإنه تبرع بكل الهدايا التي حصل عليها لبناء مدرسة في قريته كي لا يواجه طلبتها ما واجهه من مصاعب ومتاعب، عناده كان إصراراً على تحقيق الهدف منحه طاقة إيجابية وجعله، في عمره المبكر هذا، قدوة ومشعاً لطاقته الإيجابية نحو غيره ومجتمعه.
مثال باهر آخر: الصبية سما الأمير (١٦عاماً) ، التي عاندت ظروف مرضها وعدم تمكنها من الحركة فأصبحت رسامة تفوز بالمركز الأول في مسابقات دولية وتظهر في حوارات تلفزيونية وتتحدث بإيجابية كبيرة، ولوالدتها، الصحفية والكاتبة المعروفة أسماء محمد مصطفى، دور كبير في عنادها الإيجابي، أو الإصرار على التواصل والنجاح والتميز، وزيارة واحدة إلى صفحتها أو صفحة والدتها على الفيسبوك تعطينا الفرق بين العناد الذي يؤدي إلى التهلكة والسلبية وغالباً ما يكون مع الآخرين في مواقف خاطئة، والإصرار الذي يكون بضمنه عناد الزمن والظروف.