بين بناء دولة المواطنة و ترسيخ دولة المذاهب

أثارمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المطروح أمام البرلمان جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية والمجتمعية، واعتبر المشروع تراجعاً في التقدم الذي وصل إليه القانون العراقي فضلاً عن كونه يرسّخ المفاهيم الطائفية والمذهبية، وينال من القضاء العراقي ويسلب إحدى مهامّه الأساسية. ويأتي القانون في وقت تتصاعد الجهود لرأب الصدع بين المكوّنات العراقية وتعميق مفهوم المواطنة …

“الشبكة” فتحت ملفاً عن هذا الموضوع المهم والشائك والمرتبط بحياة العراقيين لتسليط المزيد من الأضواء على أسباب الخلاف والمخاوف من نفاذ هذا القانون، وماهي فرص تمريره من عدمها.

ترسيخ الطائفية

تناول قانون التعديل المواد 2، 5، 6، 9، 24، 26، من قانون الأحوال الشخصية النافذ، بأحكام تدعو الى ترسيخ مفاهيم مذهبية وطائفية، كما أنها ربطت المحكمة المختصة ( محكمة الأحوال الشخصية) بالمجلسين العلميين الإفتائيين السُني والشيعي، مما يهدد وحدة واستقلال القضاء وعلوية المحاكم الأخرى عليه، وتعاملت مع المواد المشمولة بالتعديل التي تخص الأسرة بطريقة تنذر بتفكك اجتماعي، كتسهيل إجراء عقود الزواج والطلاق خارج المحكمة.

البذرة الخبيثة

‎في محاولة منها لفصل القوى الوطنية والجمهور العراقي بواسطة المذهبية والطائفية ولكي يسهل عليها حكم العراق، اخترعت قوات الاحتلال البريطاني في الثلاثينات، مايسمى بالقضاء الجعفري، وكان العراق يُحكم قبل ذلك بمجموعة قوانين تسمى مجلة الأحكام العدلية وهي قوانين حديثة وحضارية ومتكونة من تشريعات سويسرية وفرنسية ذات قبول ومرجعية إسلامية او توافق ، كانت تحكم الأراضي العراقية.
‎إلا أن بريطانيا أرادت ان تفرق بين المكونات بطريقة الحميّة والانتصار للمذهب، فاخترعت هذا المشروع.

المصطلح والهدف المراد منه

والجعفرية، هذا المصطلح الذي كان متداولاً خلال فترة الاستعمار البريطاني للعراق, عملت بريطانيا بعدها على شطبه من التداول في كل الأدبيات, وشجعت مترجميها وموظفيها, على استخدام كلمة (الشيعة). وأوعزت الى وزارة المعارف العراقية سنة 1932 , إيعازاً شفهياً غير مكتوب, بأن يتم استخدام كلمة الشيعة بدل الجعفرية . لأن كلمة الجعفرية, تجعل من المذهب الجعفري مذهباً أصلياً في الدين الإسلامي وهو اول المذاهب الفقهية المعروفة في الإسلام، وهو بهذا يشكل مدرسة فقهية إسلامية ثرية جداً يتبعها علمياً مذهب أبي حنيفة أكبر المذاهب السُنية في العالم الإسلامي، وتسمية أتباع المذهب الجعفري تفوّت على بريطانيا وغيرها محاولة الفسخ والتفريق بين مكونات الإسلام.
‎مصطلح الشيعة قديم جداً، لكنه كان تسمية سياسية مغرضة ومسيئة في وقتها، وهي تعني الجماعة والحزب فقط، من دون أن يكون لها إرث فقهي او عقدي، ودون أن تكون لها أية مرجعية معروفة.

‎ إزالة مخلّفات بريطانيا

بعد ثورة 14 تموز 1958، ولأن الطبقة السياسية التي تسلمت الحكم كانت من أبناء الشعب الأصلاء ومن كادحية ومثقفيه ومناضليه فقد عملوا على إزالة كل مخلفات بريطانيا والمؤسسات المخلوقة للفرقة، وتهذيب وظيفة بعض المؤسسات التي تتعلق بشكل او بآخر بوجدان الشعب .فقد تم اعتماد القانون المدني في كل العراق وألغيت كل القوانين الطائفية والمناطقية. وعُلق ملف القضاء الجعفري . وحددت وظيفته حصراً بعد تقليصه بعدة استشاريين ينظرون في الخصومات الكبيرة التي تتعلق بأصل العقيدة والمذهب، ولأن السائد هو القانون المدني – الإنساني – الحضاري -قانون البشر.

واليوم إذ يتطلع المجتمع العراقي الى بناء دولة مدنية موحدة تنمى بها المشتركات بين فئات المجتمع وتبتعد قدر الإمكان عن المتفرقات بين مكوناته، ليست البلاد بحاجة الى أزمة جديدة لاسيما اذا كانت تتعلق بتفكيك النسيج المجتمعي للعراقيين.

أصداء رافضة

‎إن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري قانون مأخوذ حرفياً من كتب الفقه الجعفرية ومن الرسائل العلمية للمراجع التي تبنت هذا المشروع على عاتقها متفرده بالرغم من الأصداء الرافضة له لكونه لا يتماشى مع الاتفاقيات العالمية ومقررات منظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل ومنظمات مناهضة العنف ضد المرأة والاتفاقية العالمية (سيداو).

إن من شرّع قانون الأحوال الجعفري قد ترك كل الاتفاقيات العالمية لحقوق الطفل ولحقوق المرأة جانباً، وهو يحدد للزوجة حقوقها ويسلبها اخرى بإجحاف لو قورن مع الحقوق التي منحها إياها القانون النافذ ، فهل من المنطق ان تطبق تعاليم الفترة التي كانت فيها المرأة قابعه في البيت والخيارات أمامها معدومة من ان تطبق على المرأة اليوم ؟ ان الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 نص في المادة 2 في البند ب على انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. فأية ديمقراطية تلك التي تلغي حقوق شريحة تمثل أكثر من نصف المجتمع العراقي .
وأكدن خلال أحاديث لـ “ الشبكة” ان هذا القانون من اهم المكتسبات التي حققتها المرأة العراقية عبرنضالها الطويل لنيل حقوقها .
وطالبن بإلغاء مشروع “القانون الجعفري” لأنه يرسخ الطائفية وزواج القاصرات اللاتي لاتتجاوز أعمارهن من تسعة الى أربعة عشر عاماً.
ووصفن هذا القانون بالمجحف والمتعارض مع لوائح حقوق الإنسان .

التفاف

فقد أكدت الدكتورة بشرى العبيدي، أستاذة في القانون الدولي، على ان المنظمات النسوية رفعت جملة من التوصيات الى لجنة (سيدوا) في الأمم المتحدة لمناقشة تقريرها الدوري الخاص.

وأوضحت أن التوصيات العاجلة طالبت هذه اللجنة بالمساعدة في إلغاء المادة 41 من الدستور، وقد ألزمت اللجنة بالفعل الحكومة العراقية إلغاء القانون الجعفري، لكن جرى الالتفاف على القانون وأعادوا إنتاجه بشكل أو بآخر تحت مبرر تعديل قانون الأحوال الشخصية وتم إرجاع مشروع القانون الجعفري بحيث أن كل مذهب يطبق ما يحلو له وبالتالي وقع خطأ خطير وجسيم وشائك جداً استند بالحالتين على المادة 41 من الدستورالعراقي وهي مادة خلافية ولايجوز قانوناً الاستناد إليها بالتشريع، وبالتالي هذا خطأ وقعت به الجهة التشريعية والسلطة التنفيذية.

تعارض مع الدستور

فيما أشارت السيدة وايليت كوركيس من مجلس الأقليات العراقية وعضوة تحالف 1325 إلى أن الخطة الوطنية العراقية لقرار 1325 أكدت أهمية التزام الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بعدم تعارض القانون مع الدستور. وأوضحت: ناقشنا، كناشطات، وجود تعارض لهذا القانون
مع الركائز التي تتضمنها الخطة الوطنية الرئيسة والأساسية فهناك دمج في قانون البرلمان يتعارض مع قانون حقوق الإنسان ويتعارض مع القواعد

الدولية التي اعتمدها العراق وأكدت عليها الاتفاقيات الدولية .

نسعى إلى قانون منصف

وقالت النائبة رحاب العبودة من لجنة المرأة والطفل: نسعى الى قانون يتماشى مع الدستور وقوانين المرأة والطفل وتنظيم الأسرة، وهذا الجزء المهم يعتبر اللبنة الأساسية للمجتمع . ولهذا أعتقد ان مشروع قانون الأحوال الشخصية المطروح الآن أمام البرلمان سوف ينحدر بالمجتمع الى قضايا لاتحمد عقباها.

ولفتت العبودة إلى أن هناك عدداً من الدول العربية، منها لبنان، يوجد لديها قانون عقد زواج للمسيحيين وللمسلمين، وهم يسعون لتوحيد هذه المذاهب، لكن في العراق، مع الأسف، يسعى هذا القانون الى تمزيق اللّحمة العراقية وتفتيتها، بينما قانون الأحوال الشخصية يجمع الكل بدون استثناء.

وقالت: نحتاج الى دعم الكتل السياسية للمرأة ولقضيتها.

أفضل قانون في المنطقة

كما أكدت النائبة ريزان شيخ دلير، عضوة لجنة المرأة والطفل، ان القانون

الجعفري مجحف بحق المرأة وأن علينا إلغاء هذا القانون فوراً لأنه

لايتناسب مع مجتمعنا العراقي المدني ونحتاج ، نحن النساء، الى وقفة لإلغائه وأن يستمر العمل بقانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 فهو من أفضل القوانين ومنصف للمرأة تماماً.

وأوضحت بأنه يجري الالتفاف على هذا القانون بطريقة ذكية جداً بطرح مواضيع وقوانين لا تنصف المرأة مثل دمج بعض مواد القانون الجعفري بقانون الأحوال الشخصية كالإرث وزواج القاصر والطلاق وغيرها من الأمور.

اتفاقات دولية

فيما أشارت المحامية كوثر المسعودي إلى أن قانون الأحوال الشخصية الجعفري يثير ويعمق الطائفية في المجتمع العراقي وكذلك يتسبب بتعدد القوانين والمحاكم ويسبب الإرباك، حيث توجد هيئات الأحوال الشخصيه في محاكم التمييز فأي هيئه تنظر فيه بعد تعدد المرجعيات والمذاهب؟ إن هذا القانون مناقض للدستور وللاتفاقيات الدولية فهو يشير في المادة 16 أولاً منه أن البلوغ هو في إكمال 9 سنوات، والمادة 50 تشير الى أن الأب والجد لهما ولاية التزويج على الطفل الصغير والصغيرة، وفي المادة 151 إذا طلقت المرأة وجب عليها الاعتداد فترة ولايحق لها الزواج ويستثي الصغيرة.

ان العراق هو البلد الأول في تزويج القاصرات، فماذا لو أقر هذا القانون؟ ستحصل كارثة في المجتمع العراقي. وعليه فنحن نرفض هذا القانون المجحف والصارخ بحق المرأة العراقية، بينما لا يسمح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 بتزويج الفتاة إلا بموافقة المحكمة واللجنة الطبية.