تسميات المدن العراقية ومحلاتها من خرطوم الفيل إلى تحولات بغديدا

باسم عبد الحميد حمودي /

المدن تتحول وتتغير تسمياتها وتظهر من جديد بأسماء أخرى, وكذلك محلات وأزقة المدن الكبيرة والصغيرة بما لا يترك للذاكرة الشفاهية من قدرة واسعة على التتبع إلا من كان معاصراً لتلك التحولات او متابعاً جاداً لها.
بعض التسميات غريبة مثل زقاق “خرطوم الفيل” في بغداد –الرصافة, فأين الفيل من بغداد؟ ولماذا هذه التسمية؟
“خرطوم الفيل” هو اسم لزقاق رفيع كان مكانه مقابلاً لتمثال الشاعر الرصافي اليوم ببغداد, يقع قرب الباب الثاني من جامع العاقولية, وقد أطلق عليه هذا الاسم لعرضه الذي لايتجاوز المتر ولطوله الغريب، فيما نجد أن قضاءً موصلياً هو (بغديدا) قد حصل على تسميات متعددة تبعاً للقوم الذي سكنوه أو للقوم الذين قاموا باحتلاله، كما سنقرأ بعد قليل.
النعمانية.. البغيلة
(البغيلة) هي التسمية القديمة لقضاء النعمانية الذي يقع جنوب الكوت والذي تم استبدال اسمه بعد قيام الحكم الوطني وسمي بـ (النعمانية) نسبة الى الملك النعمان بن المنذر بن ماء السماء، حيث قتل بجوارها الشاعر الكبير أبو الطيب المتنبي الذي بني ضريحه منذ سنوات قريبة، وحمل التسمية الشعبية المحلية (أبو سورة) وقد سمي الضريح بهذا الاسم لأنه يقع قرب نهر دجلة بحيث تسير المياه قربه ولا تمسّه منذ أن كان قبراً مهملاً حتى بني كضريح مهيب يليق بالمتنبي.. الشاعر الكبير.
وضعنا هذه المقدمة لموضوع يبحث في بعض التسميات الطريفة للمدن العراقية ومحلاتها وتطورات التسمية من شكل الى آخر… لسبب أو لمثله ومن ذلك:
قره غان
وتعني قرغان أشجار الغابة السوداء، ولأن الغابة المثقلة بالثمار كانت تقع وسط هذه البليدة فقد أبدل السكان اسمها الى(قرهخان) أو (قرغان) للسهولة, وقد أطلقت الحكومة الفيصلية عليها تسمية(جلولاء) نسبة لمعركة تاريخية قديمة, وجلولاء اليوم ناحية تابعة الى قضاء خانقين.
الكوت
يقول الدكتور جمال الشاطي في مقالة له عن الكوت إن التسمية مأخوذة من أصل هندي، وقد تكون من تسمية لغوية قديمة, لكننا نقول أن الكوت تسمية عربية متداولة باعتبار أن مصطلح (الكوت) يعني خليجياً اليابسة بين مياهين, أي هو الخليج الأصغر من الصغير, وكانت الكوت كمدينة تسمى (كوت الإمارة) نسبة لإمارة آل ربيعة المجاورة, لكن الإنكليز عند احتلالهم العراق في الحرب العالمية الأولى أسموها (كوت العمارة) تجاوزاً, وقد فعل العثمانيون قبلهم هذا, وأنتج الأتراك مسلسلاً تلفازياً يعرض اليوم تحت هذه التسمية ويحكي عن انتصار الجيش العثماني على الإنكليز في معركة حصار القوات البريطانية بقيادة الجنرال تاوزند وأسرهم له ولقواته.
وكانت الكوت حتى عام 1800 مجموعة من غابات النخيل تسكنها قبائل متجاورة.
الجعّارة-الحيرة
كانت مدينة الحيرة تقع على بعد كيلومترين عن مدينة (أبوصخير), وكانت الحيرة ناحية تابعة لأبو صخير الذي سمي قضاء المناذرة فيما بعد, أما الحيرة تاريخياً فقد كانت عاصمة دولة المناذرة، وبقاياها لاتبعد عن مدينة الكوفة إلا خمسة كيلومترات.
عشت في أبو صخير عام 1946 طالباً في الثالث الابتدائي أيام كان والدي مديراً لمدرستها الابتدائية الوحيدة يومها, وكنا نذهب مشياً أو بالعربات الى الحيرة التي كان الناس يسمونها (الجعّارة) بتشديد العين, لأن نهر الغازي المتفرع من نهر الفرات يدخلها من جهة أبو صخير جاعراً أي صارخاً لكثرة مياهه وقوة جريانه!
الحسكة- الديوانية
كانت الحسكة مدينة تابعة للواء الرماحية زمن الدولة العثمانية حتى أقام الخزاعل ديوانيتهم (دار ضيافتهم), فطغى الاسم الجديد على الحسكة التي اشتهر أهلها بقول الشعر والكلام الجميل الموحي.
كانت عشائر “جليحة” تسكن مجاورة لقرية (أبو الفضل), ثم طغى نهر الفرات وثار أيامها حمود آل حمد ثم ولده الشهير(حمد آل حمود) على السلطة العثمانية فطردا من هذه الأماكن, وصارت البلدة الوليدة (الديوانية) قضاءً تابعاً للواء (الحلة) بعد أن كانت الحلة تابعة لها.
استقرت الديوانية إدارياً بعد انشاء سدة الهندية عام 1913, وذهب اسم الحسكة بين طيات التاريخ.
الصيرة –الصويرة
أُسست الصويرةعام 1852 كما يقول مؤرخها السيد عبد المطلب هاشم الموسوي، ولم يعترف بها رسمياً إلا عام 1884 حين صارت قضاء, وكان اسمها (الصيرة)، ومازال سكان المدينة التي تبعد عن بغداد جنوباً بخمسين كيلومتراً يسمونها كذلك تحبباً.
تحولات بغديدا
مدينة بغديدا السريانية الآرامية هي قضاء الحمدانية اليوم وتقع جنوب شرقي الموصل بـ35 كيلو متراً وفيها عدد من الكنائس الشهيرة.
أسمها الكلداني بكديدو ومعناه بيت الشباب, واسمها الآرامي بيت خويدا ومعناه بيت الخالق أو بيت الله, ولها اسم تركي أطلقه العثمانيون عليها وهو قرقوش ومعناه الطائر الأسود.. فتأمل!
جسور البصرة
الجسور الكثيرة في البصرة الفيحاء تحمل تسميات يتغير كثير منها، فجسر الصيادلة الذي شيد عام 1899 عرف بعد ذلك بجسر سوق الهنود لأنه يقع مقابل ذلك السوق الشعبي, ثم هدم عام 1916 وبني بديل له بالحديد وسمي جسر داينلي حتى عام 1932 حيث سمي جسر الأمير غازي ولي عهد العراق يومذاك.
في محلة الساعي البصرية يقع جسر شيده الإنكليز أيام احتلالهم البصرة خلال الحرب العالمية الأولى وسمي جسر ليك, إلا أن أهل البصرة يسمونه الجسر الأحمر لأنه جدد وطلي بهذا اللون عام 1932.
وهناك جسور متعددة في البصرة لها تسميات ظريفة مثل جسر المنديل وجسر الغربان وجسر أندريا, وهناك أيضاً جسر أم البروم الذي كان يقع أمام المحافظة وله اسم آخر هو جسر باريت نسبة للمهندس الذي أشرف على تشييده.
تسميات في سوق الشيوخ
الباحث الراحل عبد الكريم محمد علي دوّن في موسوعته عن مدينة(سوق الشيوخ) عادات وتقاليد هذه المدينة وأسماء محلاتها, فهناك محلة الحويزة نسبة لأصول سكانها الذين قدموا من مدينة الحويزة أو من الهور المسمى باسمها, وهناك محلة النجادة لمن قدموا من نجد, وهناك محلة الحضر لمن عملوا بالصناعات وقدموا من مدن عراقية أخرى, وهناك محلة البغادة لمن قدموا من بغداد ومحلة الإسماعيلية لمن تمتعت وجوههم باللون الأسمر الغامق وهكذا.