عامر بدر حسون/
لعل كثيراً من القراء لا يعرفون أن مطربة الشرق الآنسة أم كلثوم واسعة الاطلاع في البحوث اللغوية ومسائل النحو والصرف، وانها تعد “أديبة ممتازة”.
حدث منذ خمسة أعوام أن أقامت احدى الهيئات حفلة دعت اليها الآنسة أم كلثوم ولفيفاً من أهل الفن..
وكانت ضمن برنامج هذه الحفلة قصيدة من شعر المتنبي يلقيها احد الأدباء، وقام الأديب يلقي القصيدة فأخطأ في القاء شطر من احد أبياتها.
ونبهته ام كلثوم الى غلطته.. فشعر بحرج شديد، ولم يجد وسيلة يتخلص بها منه الا الاصرار على غلطته.. وقامت بينه وبين ام كلثوم مناقشة لغوية حامية، اشترك فيها بعض المدعويين من الادباء الذين انتصروا لأم كلثوم.
وحدث ذات مرة ان كانت أم كلثوم تغني قصيدة “نهج البردة “في نادي سليمان باشا.. وكان من بين المستمعين عدد كبير من عظماء البلاد وكلهم من أعضاء هذا النادي الكبير.. ولما وصلت الى البيت الذي تقول فيه:
اذا خفضت جناح الذل أسأله
عن الشفاعة لم أسأل سوى أمم
سألها احد الموجودين عن معنى كلمة«أمم “فقالت ان معناها الميسور او القليل.. فعارضها احدهم وهو حجة في أدب اللغة وقواعده وقال: ان معنى كلمة “امم”الشيء السهل القريب المنال.
وأصر كل منهما على رأيه، وتراهنا على ان تفسير كل منهما هو الصحيح وكانت قيمة الرهان 20 جنيها!
واقترح احد أعضاء النادي ان يحتكم الاثنان الى القاموس.. فجيء بالقاموس من مكتبة النادي، وظهر ان الكلمة تحمل المعنيين :القريب المنال ـ والميسور او القليل .. ولكن الأديب أصر على ان شوقي كان يقصد تفسيره هو، ولكن الاعضاء حكموا بأنه كان يقصد المعنى الذي قالته ام كلثوم،وقرروا فوزها بقيمة الرهان!
ومكتبة ام كلثوم حافلة بمؤلفات عديدة عن الأدب العربي، كما تضم معظم دواوين الشعر.. ولهذا تحفظ ام كلثوم عدداً كبيراً من القصائد لشعراء الجاهلية والاسلام، والشعراء القدامى والمحدثين.
ومن طريف ما يقال في هذا الصدد ان أحد الادباء أراد ان يجمع شعر المرحوم حافظ بك ابراهيم شاعر النيل في ديوان خاص، وكان حافظ لا يهتم في حياته بجمع شعره.. فلاقى الأديب المذكور عناء كبيراً حتى جمع بضع قصائد، ولما سمعت ام كلثوم بذلك اتصلت به، ودعته لمقابلتها وأملت عليه عدداً كبيراً من قصائد حافظ ابراهيم كانت قد سمعتها منه وحفظتها!
وام كلثوم تستطيع ان تحفظ قصيدة كاملة بعد ان تسمعها لأول مرة.. كما انها تستشهد دائما بأقوال الكتاب المعروفين في احاديثها الخاصة.
وهي التي اختارت بنفسها قصائد شوقي بك التي غنتها أخيرا..وقد حدث ان كلفت محطة الاذاعة المرحوم علي الجارم بتفسير قصيدة” الهمزية” واذاع الفقيد هذا التفسير في الحفلة التي غنت فيها ام كلثوم هذه القصيدة لأول مرة.. وفي اليوم التالي اتصلت ام كلثوم بالجارم بك وناقشته في تفسيره، ولم يسع الرجل وهو اديب ممتاز، الا ان يسلم برأيها وينشر في احدى المجلات مقالاً يحيي فيه” «الأديبة” ام كلثوم
اضف الى هذا كله انها هي التي تكتبب بنفسها الخطب والكلمات التي تنشرها في الصحف او تذيعها من الميكرفون.
الاثنين والدنيا 1950