عامر بدر حسون/
كان الناس يحلقون لحاهم عند الحلاقين قبل صناعة شفرات الحلاقة الشخصية، ودخولها الى منطقتنا في ثلاثينات القرن الماضي.
وقبل صناعة شفرات الحلاقة كان الحلاقون يعيشون عصرهم الذهبي، لكن الشفرة هددت رزقهم فوقفوا ضدها والقوا باللوم على الحكومة التي لا تحميهم من صناعات الغرب! وبرغم ان القصة قديمة، الا انها تتكرر كل يوم في تاريخ البشر. ومن بقي في اللعبة هو من طور نفسه وعمله.. كما فعل الحلاقون!
أذيع في أخبار البوليس أن حلاقاً انتحر في العاصمة بسبب وقوف حركة العمل في صالونه وان أزمة العمل هذه ناشئة عن شيوع استعمال (الشفرة( وإقبال الزبائن عليها والاستغناء بها عن موس الحلاق.
ولعل هذا الانتحار أعجب انتحار حصل في الأيام الأخيرة، والمرجو أن يكون آخر حادث من نوعه، ولهذه المناسبة نقول أن نقابة الحلاقين في الإسكندرية اهتمت بأمر الشفرات واستعمالها أكثر من سواها وسعت لدى مكتب العمل ورفعت إليه التقارير المتضمنة أخطار هذه الآلة على مستقبلهم ومستقبل أولادهم وطلبت من مكتب العمل أن يسعى لدى ولاة الأمور وإقناعهم برفع الضريبة الجمركية على هذه الشفرات حماية للصناعة ورحمة بالعمال لأن قص الشعر وحده لا يكفي نفقاتهم ولا يقوم بحاجياتهم، وان هذه الشفرات تسبب في أزمة الحلاقين، وتركت عدداً كبيراً منهم عاطلاً عن العمل وإلى الآن لم تظهر نتيجة عملية لهذه المطالب، ولا تحركت جهة من جهات الحكومة لإنقاذ هؤلاء الحلاقين من هذه الأزمة التي تهددهم والتي كان من نتائجها إقدام هذا الحلاق على الانتحار مفضلاً الموت على الحياة التي يعاني فيها آلام هذا الكساد الذي ترك أولاده يتضورون جوعاً!
وما يؤسف له أن نقابة الإسكندرية التي تمثل نحو ثلاثة آلاف حلاق بين صاحب حانوت وعامل يسود جوها خلاف وخصام في هذا الوقت العصيب الذي يتطلب الاتحاد والتضامن وبذل المساعي والجهود لإقناع الحكومة برفع الضريبة الجمركية على هذه الشفرات لحمل الزبائن على حلاقة ذقونهم عند الحلاق كما كان الحال قبل الآن.
على أن الحلاقين في الإسكندرية وغيرها لم يدخروا وسعاً في معالجة هذه الأزمة قبل الالتجاء إلى الحكومة وإلى مطالبتها برفع الضريبة الجمركية على شفرات الحلاقة، ذلك أنهم تساهلوا في أجرة حلاقة الذقن وجعلوها قرشاً واحداً ومع ذلك لم يفدهم ذلك وظلت الأزمة تزداد بانتشار استعمال هذه الآلة بين أصحاب الذقون.
وقد علمت من حديث لسكرتير نقابة الحلاقين في الإسكندرية أنه اقترح على مجلس النقابة عقد اتفاق عام بين حلاقي الثغر من وطنيين وأجانب على الاقتصاص من الجمهور برفع أجور قص الشعر إلى مبلغ يعوض عليهم ما خسروه من حلاقة الذقن وذلك بطلب ضعف الأجر العادي من الزبون الذي يأتي لحلاقة شعره فقط دون حلاقة ذقنه!
وسألته كيف يتمكن من معرفة الزبون الذي يحلق لنفسه قال أن الحلاق يعرف ذلك من علامة يتركها في شعر وجهه بعد حلقها بالشفرة، إلا أن اقتراح هذا السكرتير لم يصادف قبولاً لأن الأغلبية تفضل الالتجاء إلى مكافحة هذه الآفة وهي (الشفرة( بزيادة الضريبة الجمركية على هذه الطريقة التي يتعذر تنفيذها بتعذر الاتحاد والإنفاق بين الحلاقين.
ومما يذكر عن نقابة الحلاقين بالإسكندرية أنها نقابة منظمة وقد أنشأت مكتباً لتشغيل العاطلين من الحلاقين وفض المنازعات والخلافات التي تقع بين أصحاب محال الحلاقة والعمال، الا أن النقابة لاحظت أخيراً إن كاتب هذا المكتب المنوط به القيام بتشغيل العمال، أساء التصرف وأخذ في تشغيل العمال بواسطة شريك له يتقاضى سمسرة )فحلت النقابة هيئة المكتب وانتخبت هيئة أخرى من الأعضاء تشرف عليه؛ وعينت كاتباً يقوم بالعمل مع تحديد ساعات معينة للعمل في المكتب المذكور.
ونقابة الحلاقين هذه في الإسكندرية منضمة إلى اتحاد العمال المستقل عن السيد عباس حليم وهو اتحاد يضم عدداً من النقابات المختلفة تساعده الحكومة وتعطف عليه.
والمأمول أن تعود نقابة الحلاقين إلى الوئام والسلام، خصوصاً في هذا الوقت الذي يتطلب اتحاد كلمة الحلاقين للدفاع عن كيانهم وحماية البائسين منهم الذين يفضلون
الموت على الحياة ويذهبون ضحية هذه الشفرات الملعونة واقتصاد الجمهور في حلاقة الذقن!
الصباح 3 / 8 / 193