جدل حول دور المثقفين في المواجهة!

استطلاع خضير الزيدي /

إعلان النصر على أكبر مخطط رسمه المجرمون يطوي صفحة الخوف والرعب وهواجس الخوف على مستقبل بلد حضاري كبير ويفتح الآفاق الى خلق مناخ ثقافي جديد يدعم وحدة العراق ويعزز انتصارته .

وإذا كان دور المثقفين محل جدل، فهم متهمون بأنهم لم يرتقوا الى مستوى المنازلة الكبرى وشراستها والتحدي الذي فرض على العراق، بينما يرى البعض أن العطاء الثقافي تأثر بغياب مؤسسات فاعلة عملت المحاصصة على إضعافها….

حجم التضحيات

يؤكد الغالب من مثقفي وأدباء العراق بأن حجم التضحيات ومستوى المعارك وشراستها كان أكبر مما يتصور وبقى مشروع الثقافة عاجزاً أمام هول التضحيات لاسترداد الأرض واستتباب الأمن، هذا ما يؤكده الشاعر العراقي المغترب صلاح حسن. إذ يرى بأن الموقف الثقافي لم يكن بحجم المعركة ضد داعش ، بل لم يكن مؤثراً قياساً بالتضحيات التي قدمها الشعب العراقي بكل طوائفه. لم يستطع العمل الثقافي أيضاً أن يكبح جماح الاستفزاز الطائفي الذي يشتد بين وقت وآخر لأن أغلب المثقفين العراقيين طائفيون شئنا أم أبينا. فمن المؤسف أننا لم نجد طيلة هذه السنوات الثلاث من يقدم تحليلاً سياسياً أو اجتماعياً أو نفسياً لما جرى أو ما سيجري بعد القضاء على داعش. هذه المرحلة انطوت عسكرياً، لكن ما بعد داعش هو الأخطر فكرياً وسياسياً طالما بقيت السلطة بيد أحزاب إسلامية متناحرة ولا تفكر بمصير المجتمع الذي مزقت نسيجه الحروب الطائفية وغير الطائفية.

أما القاصة والإعلامية سعاد الجزائري فقد اعتبرت يوم النصر تحولاً كبيراً في نفوسنا بعد القضاء على قوى الظلام، فاستخدم تعبير الموزاييك العراقي تشبهاً بالتنوع القومي، الديني، الإثني، الذي تميز به المجتمع في هذا البلد، والذي انقلب إلى رايات حروب وصراعات سوداء وصور شهداء توزعت في أرجاء هذا البلد بسبب هذا الصراع (الموزاييكي)، والذي لم يشرخ المجتمع بهذا الوطن فقط، بل صنع فيه أخاديد عميقة، ليس من السهولة ردم أثر هذا الصراع على مجمل مناحي الحياة، وبضمنها، المشهد الثقافي وأثره وتأثيره بصراعنا مع الإرهاب، وبين بعضنا.. انقسم المشهد الثقافي إلى جانبين: الرسمي كوزارة ومؤسسات ثقافية حكومية، والجانب الآخر، غير الرسمي، المتمثل بالنتاج الفردي والجمعي فالنتاج الثقافي وفعالياته (الرسمية – الحكومية) كان دون مستوى خطورة ومصيرية الأحداث الكارثية التي مر بها العراق خلال أكثر من عقد ونصف العقد الأخير، والسبب الرئيس في هذا التقصير أن التعيينات وترؤس هذه المؤسسات تم وفقاً لنظام المحاصصة، وبالتالي سقطت الثقافة والإعلام في نفس الأخدود الكارثي..وتحولت بعض المؤسسات الثقافية أو الإعلامية إلى مروج للفكر الظلامي، بدلاً من أن تفتح بوابات النور على مجتمع غرق بظلام الحروب والصراعات، وبقيت المهرجانات شكلية تكلف الملايين وتنفذ بأقل من القليل.

ويحدثنا الكاتب والصحفي عمران العبيدي ضمن وجهة وتحليل منطقي عن المعركة فكرياً قائلاً بأن مستوى التحديات في العراق كان كبيراً وخطيراً وأن ما خاضه العراق من معركة ضد قوى الإرهاب كان استثنائياً وفي كل المقاييس سواء العسكرية منها او الفكرية في ظل هجمة شاركت فيها دول ومؤسسات ومنظمات وتنظيمات من مختلف الاتجاهات خصوصاً من دول مجاورة لم تكن راغبة في استقرار العراق. ومعركة العراق الأهم هي المعركة الفكرية والتي تقع مهمتها على الفاعل الثقافي في البلد وهو محور ما ينبغي التنويه اليه. إن الحراك الثقافي والفني، والى الآن، لم يكن بمستوى المعركة ومستوى التحدي وهو ما يجب تلافيه في المرحلة القادمة بعد انتهاء الصفحة العسكرية لأن المعركة الأهم الآن كيف نحارب الفكر الذي أنتج داعش وجعله يتغلغل في دواخل وفكر البعض من المغرر بهم..

لمسة فرح

كيف ينظر الأدباء والمثقفون العرب ليوم النصر العراقي على الإرهاب بما أن المنطقة العربية برمتها شهدت موجة الظلاميين؟ يؤكد المثقفون العرب أنهم يعيشون فرح الانتصار لأنهم تواقون للحياة المدنية التي تحتمل السعادة والتعطش للفرح اليومي الذي يعم الجميع .

يقول الروائي المصري محمود الغيطاني: إذا كنت تتحدث عن المناخ العربي الأوسع بوجه عام؛ فالإجابة ستكون قطعاً بالنفي؛ ونحن لا يمكننا لوم المثقفين العرب على ذلك؛ لأنه إذا ما كان الفن في مفهومه الأعمى أنه انعكاس للمجتمع اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، باعتبار أن الفن هو الوحيد المعبر عن التاريخ الحقيقي للمجتمعات، والمناقض للتاريخ الرسمي المزيف، فهذا معناه- مع معطيات الواقع العربي- أن ينكفئ المثقف العربي على نفسه باعتبار مشاكله المحلية؛ ومن ثم سترى المثقف المصري غير قادر على التعاطي معك كعراقي، أو فلسطيني، أو غير ذلك؛ لأنه بات لديه من المشكلات المحلية والأزمات والهموم ما يجعله ينصرف عن مفهوم القوميات اليوتوبي بالنسبة للمنطقة العربية إلى مفهوم المحلية فقط، وهذا ما نراه في كل الدول العربية التي تم إفقارها، وتجهيلها، ومحاولة تقسيمها عن عمد.

أما لمسة فرح الانتصار عند الباحثة التونسية خولة الفرشيشي فقد كانت كبيرة معلنة أن ما حققه العراق يعد انتصاراً باهراً على تنظيم داعش الإرهابي وهو ما وهبنا بارقة الأمل في بناء مستقبل جيّد في عراق جديد يتسع لجميع أبنائه، ولكن من الضروري فتح ملف هذه التنظيمات في دولنا ومنطقتنا العربية، فنحن عندما نخوض حروبنا ضدّ هذه التنظيمات فإنّها، وللأسف، تنطلق أساساً من المواجهة العسكرية لاجتثاثها دون أن نفكر لحظة واحدة كيف يمكن أن نجتث العنف من الذهنية العربية وهو ما يحيلنا على ضرورة المواجهة الفكرية لمثل هذه التنظيمات الإرهابية والدموية، إنّ تأسيس دولة المواطنة التي تضمن حرية المعتقد والتعبير والتفكير هي أولى لبنات التغيير الذهني لمنطقة تعيش على وقع الاقتتال الطائفي والعرقي فتعلم ملكات النقد ورفض المسلمات الجاهزة لدى الناشئة من خلال تعليم حرّ في مجتمع حرّ سيواجه الأصولية المتطرفة وسيقضي عليها، إنّ يوم النصر الحقيقي الذي يبدأ بتثوير العقول ورفض سيطرة مشايخ الإرهاب على الدين الإسلامي بل وتحريره منهم.

سلم المعركة

ويرى الدكتور فاخر محمد عميد كلية الفنون الجميلة أن الخطاب الثقافي لم يكن بمستوى الحالة الأمنية السائدة. فوضع العراق مختلف بسبب طول المرحلة والزمن الذي عاشه العراقيون في خضم الحروب والمشاكل الأمنية. أنا شخصياً، ولكثرة الدماء والضحايا التي شاهدناها، والخسارة في كل شيء، أصبحت أواجه سؤالاً مع نفسي وهو ما دور الفن والثقافة هنا؟ وهل يستطيع أن يفعل شيئاً أمام كل حمامات الدم هذه؟ الفن مع السياسة موضوع فيه تساؤل كبير ونتائجه غير واضحة المعالم، أنا أرى بأن الفن يقدم رؤية للعالم والأشياء، إنه لا يقدم حلولا، ربما يساهم في خلق حساسيات جديدة في الرؤية إلى الحياة والإنسان، طريقة رؤية جديدة، لكنه لا يقدم منشوراً لإحلال السلام على الأرض. الفنان يقدم قلقه الوجودي من خلال أعماله ليس إلا، وموضوع وحدة العراق يتم من خلال خطاب جمالي مترفع على الحساسيات الطائفية والقومية والدينية، وما تحقق من نصر أمامنا هو أكبر من أية حساسيات، وهذا ما يجعلنا نتواصل مع الثقافة التي يعلوها خبر الانتصارات الأخيرة في يوم النصر.

وإذا كان الفنان الرسام فاخر محمد يدعو لفن يواكب الأحداث، فإن النحات العراقي رضا علوان يؤكد أن معارض فنية ناصرت الحياة ودعمت القوات المسلحة وجابهت الإرهاب بأعمال خالدة مؤكداً على أن هناك فعاليات ونشاطات قريبة من حدث العراق والمخاطر التي تحيط به وجبهة ثقافيه خلقت خطاً ضد من يحاول أن يمس وحده العراق وهيبته رغم تشتت هذه النشاطات والفعاليات في قنوات ومجالات مختلفة ،وأذكّر الجميع بمنجز مهم مثل تجربه معرض ( 12 +1 ) ومعرض الكرادة ومعارض عن الانتصارات وهناك تجارب فردية استطاعت أن توثق الانتصارات بشكل مؤثر. المشكلة في تبني هذه المنجزات على المستوى الإعلامي وتقديمه بشكل واضح ومتفاعل مع النصر.