عبد الجبار خلف/
زرته عام 2000 في بيته في حي الخضراء ببغداد، كان متوجسا من الحديث لولا ابنته ايناس الاعلامية المعروفة، حينها قال لي: في قلبي هموم واسرار اخشى ان اظهرها للعلن، لا استطيع ان اكتبها خوفا على بنتيّ وكنت قد خبأتها في صدور بعض اصدقائي لكنهم رحلوا ورحلت معهم.
حاولت معه كثيرا، وبرغم تمنعه الا انني طلبت منه ان يحدثني عن يوم من عمره لا ينساه أبدا، فقال لي: كثيرة هي الأيام التي تحمل صفة (لا ينسى) لكنني سأذكر لك يوما مميزا منها.
هذا هو الاذاعي الكبير حافظ القباني (عبد الحافظ احمد القباني (1926- 2004) الذي راح يسرد لي تفاصيل ذلك اليوم قائلا: في شهر كانون الأول عام 1959، اي بعد ثورة 14 تموز 1958 بأشهر ارسلت الحكومة العراقية وفدا من الاذاعة الى العاصمة المصرية في معايشة في اذاعة (صوت العرب) التي كان المذيع أحمد سعيد أحد أشهر مذيعيها ومديرها في ذلك الوقت، ولم تكن العلاقة بين عبد الكريم قاسم وجمال عبد الناصر قد ساءت بعد، وهناك اشتركت في قراءة نشرات الأخبار وكنت اذكر اسمي وبلدي (يقرأها لكم حافظ القباني) وكان لاحمد سعيد بعد نهايتها كلمة رسمية يقرأها على الهواء مباشرة، وفي أحد الأيام، وما ان انتهيت من قراءة نشرة الأخبار الرئيسة عبد الجبار خلفوقبل ان اغادر الاستديو واذا بأحد العاملين في الاذاعة يطلب مني قراءة كلمة احمد سعيد قائلا لي ان وعكة صحية قد ألمت به ولا يستطيع القراءة لان صوته متأثر، اعتذرت على الفور وقلت لايمكن ذلك لان صوت احمد سعيد معروف، واسقط في يدي اذ ان الوقت يمر ولا بد من قراءة هذه الكلمة التي تسلمت ورقتها، ومن دون ان اطلع على ما فيها وجدتني اقرأ الكلمة مباشرة، وما ان بدأت حتى وجدت كلماتها تصب في ذم الزعيم عبد الكريم قاسم وتشن هجوما ضده ووجدتني لحظتها في موقف صعب جدا حتى ان صوتي بدأ يتغير وشعرت بجسدي يرتعد وانا اتلفظ بالكلمات التي تسيء الى زعيمي ولا اعرف كيف انتهيت من قراءة الكلمة، وعلمت بعد ذلك ان الأمر برمته عبارة عن مقلب من احمد سعيد لكي يورطني ويعلن للاخرين ان هذا المذيع العراقي، هو الآخر يسبّ ويشتم عبد الكريم قاسم.
واكمل حديثه قائلا: بعد ان انتهيت قراءة تلك الكلمة ذهبت مباشرة الى الفندق وعلى الفور حزمت حقائبي وعدت قافلا الى بغداد على أول طائرة، وما ان حطت الطائرة على ارض بغداد حتى ذهبت مباشرة الى دار الاذاعة بحقائبي ودخلت غرفة المدير العام حينها السيد عبد الرحمن فوزي وشرحت له كل ما حدث بالتفصيل، وكان الرجل على علم بذلك من خلال استماعه لاذاعة صوت العرب، فقال لي ابق جالسا هنا وسوف اعود اليك، وبعد ساعة عاد الاستاذ عبد الرحمن ليخبرني ان الزعيم عبد الكريم قاسم منحني صفة (كبير مذيعين)، شارحا لي بان الزعيم قد تفهم الموضوع جيدا وعرف اسبابه ويقدر مشاعري، حينها شعرت براحة كبيرة وسعادة من ان الزعيم عبد الكريم تفهم ما حدث وكانت رسالته واضحة لاحمد سعيد وصوت العرب.