مقداد عبد الرضا /
وصل القيصر الألماني في العام 1889 الى ميناء استانبول, استمرت الزيارة مدة ستة أسابيع تجول خلالها في أنحاء بلاد الشام لتزداد حماسته لتنفيذ المخطط الذي كان يدور في رأسه ومحققاً بذلك ضغطاً كبيراً على المصرف العراقي الألماني(دويتشك بنك) الذي أوكلت إليه مهمة تنفيذ المشروع. الرئيس التنفيذي للمشروع نظر الى هذه المغامرة نظرة ريبة وتوجس, لم يوافق، إلا أن إصرار الإمبراطور أخضعه إلى الأمر، لكنه قال جملته الشهيرة (الى الجحيم بهذا الامتياز وقطار بغداد). المهندسون الألمان خططوا لمد سكة حديد يبلغ طولها 1600 كيلو متر تربط بغداد باستانبول مروراً بالموصل حتى البصرة والخليج العربي ما يعني ربط الشرق بالقارة الأوروبية من خلال بغداد, هذا الأمر أغضب الإنكليز على الرغم من مباركتهم للمشروع, إذ أن التقارب العثماني الألماني كان يخدم أهدافاً تركية، ما يبرر الاستياء الإنكليزي الفرنسي. آخر حلقات المشروع تمّت عند نهاية الحرب العالمية الثانية من قبل الإنكليز حين تم ربط الجزء الممتد بين الموصل وسامراء. البناء تم بأموال إنكليزية إذ كان العراق يخضع للاحتلال البريطاني ما يعني أن المشروع اكتمل بأموال عراقية.
حكاية هذه الصورة هي خط الموصل الذي كان يربط بين ألمانيا والعراق.
بداية ستينات القرن المنصرم سطع نجم واحد من أهم نجوم الفن الكوميدي وأيقونة من أيقونات بغداد وجمالها ومحبتها,على الرغم من مشاركاته العديدة تمثيلاً مع فرقة الزبانية ودوره المهم في فيلم (من المسؤول)، إلا أنه لم يسطع إلا في برنامج ظل طويلاً في الذاكرة الجمعية. إنه برنامج (صندوق السعادة) الذي كان يقدمه الفنان الراحل فخري الزبيدي ومن خلاله، وكما ذكرنا، سطع نجمه لما لدى الزبيدي من حلاوة روح وقدرة فائقة في إدارة ذلك البرنامج الذي دفع الكثير من الناس لاقتناء أجهزة تلفزيون لمتابعته (واللي ماعنده امكانية يشتري تلفزيون يروح عند الجيران بكل ترحيب), ولد الزبيدي في العام 1925 في محلة الحيدرخانة, هو فخري رسول الزبيدي, حينما تأسست فرقة الزبانية كان هو واحداً من أعضائها مع الحاج ناجي الراوي ومحمد القيسي وناظم الغزالي وحامد الأطرقجي, الزبانية قدمت الكثير من الأعمال التلفزيونية أهمها تمثيلية (شلتاغ) وهي عن حياة المطرب شلتاغ الذي جسده المطرب الكبير الراحل يوسف عمر. ولعل البعض لايعرف أناقة وروح الزبيدي الرهيفة والجميلة وسعيه الدؤوب وحرصه الكبير على العناية بمدينة بغداد من خلال عمله كموظف في أمانة العاصمة, وله مؤلف مهم يحكي عن تاريخ بغداد بعنوان (من 1900 حتى سنة 1934 الجامع والمفيد والظريف). ظل الزبيدي حتى لحظاته الأخيرة وقبل رحيله عذب الروح طريفاً صاحب ضحكة مجلجلة و( بغدادي أصيل), ألّف مسرحية بعنوان (صايرة ودايرة), أخرجها الفنان مقداد مسلم على خشبة مسرح المنصور وكنت أنا أحد ممثليها الرئيسيين, وحكاية هذه الصورة هي للفنان فخري الزبيدي في مجلة (الأسبوع) لزياراته المتكررة للأستاذ الراحل المذيع حافظ القباني حيث كان يعمل محرراً في المجلة.
رحل حقي الشبلي قبل أن يبوح بالسر, هكذا كتب الصحفي الراحل صالح سليمان قبل أكثر من 35 عاماً, ويستمر بالقول: سنة 1929 كان حقي الشبلي في بداياته المسرحية شاباً وسيماً وذا صوت جميل متحمساً للمسرح, وحين زارت الفنانة فاطمة رشدي وزوجها الفنان عزيز عيد مع فرقتها المسرحية بغداد تلك السنة التقى بها الفنان الشاب حقي الشبلي ورافقها خلال عروض فرقتها المسرحية, وحدث أمر بقي سراً حتى الآن, وكنت على وشك أن أكتشف السر لولا أن الفنان الكبير الأستاذ حقي الشبلي غادر دنيانا قبل أن يجيب على سؤالي الذي هو: ماهي العلاقة بينك وبين الفنانة فاطمة رشدي؟ ذلك أن فاطمة رشدي اهتمت خلال زيارتها الى بغداد بالشاب الفنان حقي الشبلي وقربته إليها, فكان يلازمها دائماً, وحين اقترب موعد عودتها مع زوجها وفرقتها الى القاهرة تمسكت بحقي الشبلي وقررت اصطحابه معها, وكان لابد من ترتيب خاص لهذا الأمر, ولما كانت الفرقة قد قدمت إحدى عروضها أمام الملك فيصل الأول الذي أبدى إعجابه بما شاهده فقد حثت فاطمة رشدي وزوجها عيد على أن يساعدها لدى الملك للحصول على موافقته بإيفاد الشبلي الى مصر ليطلع على آخر تطورات المسرح المصري ويتدرب على أصول الفنون المسرحية هناك, ورضخ الزوج عيد للأمر وتقدم برجائه الى الملك وهو يمتدح موهبة الشبلي. وافق الملك على ذلك, وهكذا ذهب الشبلي برفقة فاطمة رشدي ليظل قريباً منها طوال سنتي 1929-1930, عاد بعدها الى بغداد وكان متحمساً لتأسيس فرقة مسرحية يقودها بنفسه, رحل الاثنان، الشبلي وفاطمة رشدي، عن عالمنا وبقي السر دفيناً, لا هي أفشته ولا الشبلي فعل ذلك, هل أحبته؟ وماالذي جرى في القاهرة طيلة السنتين؟ وحكاية هذه الصورة هي زيارة فرقة فاطمة رشدي الى بغداد عام 1923, الفنان حقي الشبلي الثالث من اليمين ورشدي وسط الصورة.