حياكة البسط الشعبية.. أقدم حرفة توارثتها نساء الجنوب

سها الشيخلي – تصوير: صباح الامارة /

في متحف (ارمتاج )، في مدينة سان بطرسبيرج الروسية، سجّادة عراقية تعد من اقدم السجّاد في العالم يعود تاريخها الى القرن الخامس قبل الميلاد وهي من اقدم ما صنعه الإنسان العراقي من السجاد العراقي.

تمتاز هذه السجادة بتصميم جميل يضم رموزا حية تشير الى حضارة وادي الرافدين العريقة.

انتشرت صناعة البسط والسجاد في العراق في القرى الجنوبية ثم توسعت لتشمل القرى الشمالية ثم الوسطى منذ عرف الإنسان الأول العيش في القرية الزراعية بعد ان تم اختراع ( المنول اليدوي)، وتعد حياكة البساط بألوانه الزاهية من اقدم الحرف اليدوية في ارض الرافدين، وتحديدا في بداية الحضارة السومرية، وقد انتشرت على مساحة الأقوام التي عاصرت تلك الحضارة المتميزة في الصناعة والأدب والتشريع. ويعكس اختلاف النسيج اختلاف الحضارات والثقافات، فلكل دولة طابعها المميز في الألوان والأنسجة المستخدمة في الملابس والمفروشات، حيث تعد ايضا من أهم الحرف التقليدية التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ. وفي العراق عرفت حرفة حياكة البساط الشعبي ذي الألوان الزاهية والصناعة المتينة، التي عرفها الإنسان وتوارثها جيلا بعد جيل، واستطاعت أن تلبي معظم حاجات المواطن وعرفت باناقتها ودقة صناعتها.

المؤسف أن هذه الصناعة اليدوية الشعبية بدأت بالانحسار بعد دخول صناعات اجنبية رخيصة لكنها تفتقد الجودة مقارنة بالبساط المحلي، بحيث انحسرت مبيعاته في الأسواق الشعبية ايضا.

ففي سوق الاستربادي في مدينة الكاظمية المقدسة، ولكونها مزاراً للعديد من اهالي القرى الجنوبية وجدنا بعض المحال التي تعرض انواع البسط المصنوعة يدويا. يؤكد البائع (ابو حيدر) ان محافظات الكوت والناصرية والسماوة تشتهر بصناعة وبيع هذه المنتجات الشعبية، موضحا ان هذه الحرفة الشعبية تميزت بها المرأة الريفية العراقية، التي مارستها منذ زمن بعيد وبقدر كبير من المهارة، كما نجحت المرأة برغم العوائق الاجتماعية ونقص التعليم في حياكة البسط والسجاد ولكن لقاء أثمان زهيدة لتسد بها حاجة اسرتها، وتحفظ حائكات المناطق الريفية بالفطرة انواعا كثيرة من النقوش التي غالبا ما تكون ذات اشكال هندسية توازنها تناظرات لونية تضفي على المكان ملامح جمالية متميزة مميزة. ويضيف البائع ان المرأة التي تقوم بنسج البساط ونقوشه لا تدرك ان هذه النقوش تعود الى الزمن السومري او البابلي او الآشوري، فما زالت الحائكة في القرية تسطر بأناملها تلك النقوش من حيوانات ومربعات هندسية وكأنها توثق حكاية تربط بين منول الحاضر وابداع الماضي.

الجومة

لا تخلو مدن وقرى العراق من الحائكين والحائكات الذين ينسجون يدويا البساط مستخدمين (الجومة) كآلة بدائية لإنتاج اجمل البسط وكذلك السجاد، ونجد في مضايفنا في القرى والأرياف السجاد اليدوي يزين الجدران ويغطي الارض بقطع حمر مزركشة تجعل المكان لوحة جميلة من الألوان المتناسقة، ويصنع البساط بآلة (الجومة) التي تنتشر في محافظات وسط وجنوب العراق حيث يمتاز البساط فيها بتقنية نسجه الدقيقة تزينه نقوش منها النجوم والمثلثات والمثمنات واحيانا النقوش المستقيمة على شكل مساطر متناسقة الالوان.

البساط الحمزاوي

وتشتهر مدينة المدحتية التابعة لمحافظة بابل بالسجاد المعروف بالحمزاوي حيث يشترك النساء والرجال في نسجه، كما تشتهر المدحتية ايضا بصناعة البسط والأُزر. وتحدثت (لينا) احدى النساجات مشيرة الى ان نسج السجاد بالصوف يتم حسب الطلب حيث نبدأ العمل بـ(الخطاف) وهو الأداة الرئيسة لعمل البساط، بعدها نعمل الحاشية والتحديد، تليها عملية البصمة والتي تكون حسب الطلب، ولدينا اداة اخرى تعرف بـ(المضرب) ولدينا حجمان كبير وصغير، نستخدم الصغير في انزال ما يسمى محليا بـ(الزكزاك) اما المضرب الكبير فيستخدم لتعديل الحبل المصنوع من الصوف.

بساط السماوة

واشتهرت مدينة السماوة، في جنوب العراق، بصناعة البساط الشعبي وهو من الصوف الخالص الذي يصنف باربع درجات. وتذكر النصوص الواردة من المدن السومرية احيانا كميات الصوف المخصصة لعمليات النسج تصل الى عدة آلاف من الأطنان المشغولة في مدينة اور. ومن الملاحظات حول صناعة الأصواف في العصور البابلية القديمة وجود نصوص عديدة تشير الى ضرورة غسل الخراف والماعز قبل يومين او ثلاث من جز اصوافها او شعرها ويتم ذلك مرة واحدة كل عام حيث يجري تغطيسها في النهر للتخلص من الأتربة والطين ومن الطبيعي ان لون الصوف لا يظهر الا بعد غسله وتنظيفه جيدا ويتم غزله ليصبح خيوطا ذات مطاطية ولمعان وقابلة لاكتساب الألوان بصورة سريعة، وتجري عملية التنظيف والتمشيط والغزل والقصر والتبيض ثم

الصباغة وبعدها النسج.

وبدايات الغزل كانت بالاعتماد على الذراع وأصابع اليد والفخذ، في تسخير الصوف والكتان لصنع الخيوط الرفيعة أو السميكة، والقصيرة والطويلة حسب الرغبة، وبعملية بسيطة جدا، نقوم أولا بتمشيط الصوف، وتجزئته وبرم أجزائه وربطها لتكوين خيوط رفيعة، مع مراعاة ترطيب الكف بالماء ثم نقوم بحصر وبرم الخيوط بينها وبين الفخذ لتقويتها، أما اليد الأخرى فتقوم بضبط ورفع الخيط المبروم ولفه تدريجيا حول اليد. بعدها جاءت فكرة اختراع المغزل والتي استخدم فيها الخشب والمسمار أو السنارة، لتسهيل عملية الغزل وبهذا استطاعوا اختصار الزمن والحصول على خيوط طويلة وكثيرة.