آمنة المحمداوي/
يقولون إن سرّ خراب حياة كل امرأة، امرأة تفوقها بميزة معينة وغالباً-شكلية- تجعل كل من يصادفها من الرجال يأخذ شهيقاً عميقاً من هول تلك الهالة. فالجمال الأخاذ بالدرجة الأولى، -طبيعياً كان أم مفلتراً-لا يهم، كذلك المؤهل الأكاديمي الثرّ، المعجون بالبهارات الثقافية التي يفترض أن تقلق الرجال لا للنساء.
هي لعنة نسوية متبادلة في مجتمعاتنا بحكمِ اهتزاز معادل الشخصية الذي يرفض الأرجح منه، فيحول صاحباته الى (زومبيات) ناعمة يحتفظن بصداقة الضد ويضربن تحت الحزام، بدلاً من التصالح مع فكرة الفارق، باعتبار أن المهارة الفردية لكل إنسان تؤهله الى درجة لا تشابه الآخر بالضرورة، كما هو حال المرأة الأوروبية التي غادرت منطقة العداوة المبطنة والغيرة الناعمة تجاه من تفوقها، طالما أن ثقتها بنفسها وعلو شأنها جزءان لا يتجزآن من خصائص الشخصية القوية التي تؤثثها بالرصانة، لا بلمسة الميكاب وتضاريس الجسد والشفاه (المبرطمة)..
سيدات خارج الحلبة
“ماذا لو أن زميلتكِ في دائرة الهجرة البلجيكية تمتلك شكلاً أخاذاً وأكثر منكِ جاذبية، بل كيف سيمر يومك وأنتِ تجاورين سيدة تمتلك زوجاً وسيماً وأنت لا، أو ربما اجتازت اختصاصاً مهنياً يفوق اختصاصك؟”
تساؤلات لطيفة مع ابتسامة وجهتها الى المترجمة في دائرة الهجرة الأوروبية (كاتيا اندرسون).. فابتسمت خجلاً وهي تجيب على سؤالي الذي اعتبرته غريباً ولا يعنيها أساساً، قائلة:
“لا أعرف في الحقيقة، فما علاقتي أساساً بعمل أو إنجاز جارتي او زميلتي في العمل، أو حتى إحدى صديقاتي، هي اختارت شيئاً تحبه، سواء أكان رجلاً أو عملاً برعت فيه ونجحت في إنجازه بدرجة (البيرفكت)، ما الذي يزعجني، بل قد أكون سعيدة لأجلها إذا كانت تهمني طبعاً، ولا يعنيني أمرها إذا كانت غير مقربة، التنافس هنا لا علاقة له بمن أفضل من الأخرى، وإنما التنافس هو أن تختار شيئاً تحبه وتجتهد كثيراً لتصل فيه الى آخر (ليڤل).. هنا تكون المنافسة، أما قضية الجمال والملبس والارتباط، فبصراحة السؤال غريب ولا أمتلك إجابة عليه سوى الابتسامة.”
لا تصالح مع الذات
“يبقى التصالح مع الذات والمصارحة بالغيرة هما رغبة خجولة بيننا كنساء شرقيات، لكونهما متعلقين بامتلاك صفات قد لا تمتلكها أخرى، ولا تستطيع ذلك، لذلك تجدينها تلتجئ بشكلٍ غير مباشر الى انتحال الشخصية المثالية الفلانية، وهي في الحقيقة غيرة مغلفة.” بحسبِ ما تعتقده التربوية في رياض الطفل الخاصة بمدينة (انتويربن) البلجيكية، قائلة:
“في رأيي لا تغار المرأة إلا من المرأة التي تحبها، فالغيرة لا تتكون تجاه نكرة، بل لا أجد فيها عداوة أبداً، فليس عيباً أن أغار من زميلة تفوقني طاقة ونشاطاً وقدرة في التعامل المميز مع أطفال الصف، ولاسيما الصفوف الخاصة، فحين أنظر إليها وأتأمل القدرة التي يمتلكها طلابها في استيعاب الدرس، وكذلك اندفاعهم نحوها وعناقهم لها، أشعر بأن شيئاً ينقصني، ولا أنكر أن شعور الغيرة والكره يراودني، لكني أهذبه فوراً بالصراحة.”
مشيرة إلى أن مشاعر الغيرة تسيطر عليها فجأة، ولاسيما حين تقارن بين طبيعة شخصيتها وشخصية تلك المدرسة، فكل شيء وقتها يتحول إلى حمل ثقيل يجثم على صدرها، لاسيما حين تأتيها أصوات الأطفال وهم يرددون اسم غريمتها، ومن هنا تبدأ عملية البناء الصحيح بعيداً عن فخ الكراهية.
عدائية تحت اليد
طالبة كلية الجامعة – القانون (علا سامي)، التي كانت تتشابه مع زميلتها في جراحة تقويم الأنف وانتفاخ الشفاه وتاتو الحواجب، الى درجة يظن الناظر إليهما وكأنهما شقيقتان، اعتبرت انّ تشابه الوجوه في الملامح التجميلية هو نوع آخر من البحث عن الجزء المفقود في شخصية الفتيات تحت غطاء الغيرة السوداء، قائلة:
“حتى في قضية الجمال وتفاصيل الجراحات التجميلية التي تكاد تجعل جميع الوجوه متشابهة، أصبحت الغيرة الشريرة الناعمة سيدة الموقف، بل إني أعتقد أن السر خلف رواج تلك المهنة دافعه الغيرة المجنونة نحو لفت الأنظار ما بين الفتيات، وتحديداً طالبات الجامعة، فالشعور بأنهن المميزات واللافتات للأنظار تحول الى هوس أنثوي يخفي بين طياته عداء مبطناً يظهر مع أول اختلاف بسيط، طالما أن الشعور بالنقص تحول أوتماتيكياً باتجاه الفتاة التي لم يمرّ المشرط على وجهها، وكأنّ الرغبة تخفي خلفها أنف فلانة او موديل شفاه الأخرى.”
مرض نفسي حاد
الدكتور النفسي (إيهاب مكي) يعتقد أنّ ثقافة الإنسان ورقيّه لا يمنعان وقوعه في فخ الغيرة كونها شعوراً عاماً وتنوعاً ثقافياً بين الجميع، قائلاً:
“وإن اختلفت درجاتها، فمنها الغيرة المعتدلة، المقبولة، ومنها الزائدة التي تسبب الكثير من المشكلات الأسرية والاجتماعية والمهنية عند النساء على وجه الخصوص، حسب طبيعة المرأة ومعطياتها، فهناك غيرة التميّز التي تفيد المرأة فقط عندما تحرضها على الوصول إلى مكانة المرأة الأخرى، لكنها في الوقت نفسه، قد تكون مدمرة حين تدفعها إلى إحباط نجاح من تغار منها وإفشاله، وتعرف هذه الغيرة بالغيرة المرضية التي هي نوع آخر من الغيرة، تلك التي يسببها الشعور بالنقص، فتتولد عند المرأة التي تغار من أخرى تفوقها جمالاً أو جاذبية، وليس شرطاً هنا أن تكون المرأة الغيورة في هذه الحالة أقل جمالاً من الأخرى، ولكنها أقل ثقة بالنفس، والشعور بالنقص، وتلعب دوراً مهماً في غيرة بعض النساء من بعضهن. اما الغيرة السلبية فهي الغيرة التي تتحول إلى حسد وكره وبغض، فتأخذ صاحبتها إلى تمني زوال النعم عن الآخرين.”
مؤكداً أن “هذا النوع من الغيرة قد يتحول إلى مرض نفسي يحتاج إلى علاج للتخلص منه.”