عامر جليل إبراهيم – تصوير- حسين طالب /
هو رشيد بن عقبة الهَجَري، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وتلميذ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من أشهر فرسان معركة أحد، قاتل بين يدي رسول الله (ص) منذ أن كان غلاماً يافعاً وظل مجاهداً حتى توفاه الله شيخاً شهيداً محتسباً.
“مجلة الشبكة العراقية”, وفي سعيها للتعريف بأماكن السياحة الدينية والأثرية والإطلال على تاريخ أصحابها المشرِّف، زارت مرقد (رشيد الهجري) حيث التقت سماحة السيد أحمد خليل إبراهيم الحسني الأمين الخاص للمرقد الشريف.
الطريق إلى المزار
وأنت في طريقك إلى المزار تمرّ عبر طريق زراعي في منطقة الشهابية الريفية الجميلة التابعة إدارياً إلى قضاء الكفل في محافظة بابل. يبعد المزار عن الشارع الرابط بين الحلة والكوفة أكثر من كيلومتر، وعن مسجد الكوفة بنحو 22 كيلومتراً، أما عن بابل فيبعد قرابة 25 كيلومتراً.
نسبُهُ
يقول السيد أحمد خليل إبراهيم الحسني: إن صاحب رسول الله المنتجب رشيد بن عقبة الهَجَري، الذي ينتسب إلى مدينة (هَجَر) الواقعة في الجزيرة العربية، هو أحد حواريي الإمام علي بن أبي طالب (ع) وتلامذته الذين تخرجوا على يديه في مدينة الكوفة، وقد أخبره أمير المؤمنين (ع) بكيفية شهادته، قائلاً له: أنت معي يا رشيد في الدنيا والآخرة.
قصتُهُ
يضيف سماحة السيد الحسني: إن تاريخ ولادته غير معلوم لكنها كانت مقاربة لولادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). أما استشهاده فكان في السابع من صفر سنة 60هـ قبل مقتل الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف، وهذا التاريخ يصادف تاريخ استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام).
يروي سماحة السيد الحسني: كان رشيد الهجري مولىً لبني عتبة، وكان مملوكاً في الجاهلية, عُرف بقوته وقوة إيمانه وتمسكه بالإسلام المحمدي الأصيل، واشتهر عندما كان تلميذا واعياً ومصغياً لباب مدينة علم رسول الله (ص) أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع), إذ علمه علم المنايا والبلايا، وهو العلم الذي اشتهر به رشيد الهجري ولم يشاركه معه من أقرانه إلا قلة، ومنهم ميثم التمار وحبيب بن مظاهر الأسدي حامل لواء الإمام الحسين (ع).
جاء رشيد إلى الكوفة طلباً للعلم عند أمير المؤمنين (ع) لأنه من خواصه وطلابه ومن الذين ينشرون الدعوة الإسلامية، وعاش الهجري في هذا الوسط، لكنه كان يحتاط أن يُظهر للناس قربه من خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب (ع), وتروي المصادر أنه إذا جاء للقاء أمير المؤمنين كان يُضيّق لثامه كي لا يعرف الناس أنه من المقربين، وذلك لتواضعه وحبِّه لله عز وجل وعدم الرياء وعدم التكبر على الناس إذ كان يعيش عيشة البسطاء والفقراء.
رفيق آل البيت
عرف الهجري بالزهد في هذه الدنيا، وكان شجاعاً مقداماً له صولات مع رسول الله (ص) في واقعة أحد، وتروي الروايات أن النبي (ص) كان يكنّيه بأبي عبد الله ويتبسم عندما ينظر إلى ضرباته.
عاش رشيد الهجري في زمن أمير المؤمنين (ع)، وكان يحدث الناس بعد استشهاد الإمام (ع)، ورافق الإمام الحسن (ع) وبقي ملازماً إياه حتى استشهاده عليه السلام مقتولاً بالسم، ثم أصبح باباً من أبواب الإمام الحسين عليه السلام, فكان الإمام لا يؤتى إليه ولا يُعرف منه شيء إلا عن طريق رشيد الهجري، فقد كان الأمين والمؤتمن في هذا الأمر, وكان يحدث الناس ويذكرهم بكلام أمير المؤمنين (ع) وما سوف تفعل السلطات بهم من قتل وسلب ونهب للأموال وغيرها.
بقي على هذا الحال حتى بدأت ثورة الإمام الحسين (ع) تتفجر في الكوفة، فقبض عليه مع ميثم التمار والمختار الثقفي، وأخذ واعتقل في سجون عبيد الله بن زياد، وعرضت عليه البراءة من أمير المؤمنين (ع) فلم يتبرأ, وهنا تدخل (قنواء)، بنت رشيد الهجري، في القصة، وهي الراوية لما حدث بين أبيها وبين عبيد الله بن زياد، وأن عبيد الله بن زياد عرض عليه البراءة من أمير المؤمنين فقال: “لن اتبرأ”، وأخذ يتكلم في فضائل أمير المؤمنين (ع) فقال عبيد الله: “ويحكم اقطعوا يديه ورجليه واربطوه على جذع النخلة واقتلعوا لسانه”، فقال: “صدق حبيبي وخليلي علي بن أبي طالب (ع)” قال ابن زياد: “وما قال خليلك؟” قال: “سوف يرسل إليك الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد ويعرض عليك البراءة مني ولن تتبرأ فيقطع يديك وساقيك ويقتلع لسانك ويربطك على جذع نخلة.”
تقول قنواء: بعد أن قطعوا رجليه ويديه حملوه والدماء تسيل منه، وعند صلبه على جذع النخلة أخذ ينادي: “أيها الناس ائتوني بدواة وقرطاس واكتبوا عني، سوف أقول لكم ما يحدث إلى يوم القيامة، ذلك علم علمني إياه حبيبي وخليلي علي بن أبي طالب (ع)”، وأخذ يسرد الأحداث فجاء الجلاوزة إلى عبيد الله بن زياد وقالوا له “يا أمير ادرك الرجل فإنه فضحكم”، فقال “ويحكم ائتوني بالحجام”، فجيء بالحجام فقطع لسانه، واستشهد هذا البطل في حينها وبقي هكذا معلقاً حتى جاءت ابنته قنواء وأصحابه ليلاً فأخذوه من مكان صلبه في الكوفة وجاءوا به إلى أطرافها حيث قبره الشريف الآن.
مراحل
وعن بناء مرقده يقول السيد الحسني: “في بداية الستينيات من القرن الماضي، وحتى التسعينيات منه، كانت هناك قبة للمرقد، ثم تولى رجل من أهل الكوفة اسمه (الحاج مقداد السعد) بناءه في سنة 1991م من ماله الخاص، وكان القائمون على المزار ممن يسمونهم (الكُوّام)، أو السدنة، من المنطقة التي تحيط بالمزار، وهم بني حسن وآل عيسى، هاتان العشيرتان اللتان تحيط منازلهما بالمزار، فكانت لهما اليد الطولى بالبناء في ذلك الوقت، وكانت الأموال من الحاج مقداد السعد.
في سنة 1993م اكتمل بناء الرواق، ثم انضم المزار في سنة 2008م إلى الأمانة العامة للمزارات الشيعية، إذ بدأت الأمانة الخاصة للمزار عمليات إعماره حتى 2011م، وحين تسلمتُ مهمة الأمين الخاص بدأنا في إكمال البنى التحتية للمزار، ثم بدأت حملة إعمار أخرى في زمن سماحة (الشيخ خليفة الجوهر) نائب الأمين العام للمزارات الشيعية، ونحن اليوم في المراحل الأخيرة للبناء.”
تفاصيل
تبلغ المساحة الكلية للمزار تسعة دونمات، وهناك توسعة أخرى من جهة اليمين للصحن لضيق المساحة ما بين الصحن والقبر الشريف، وثمة مبادرة لاستملاك أرض جديدة تضاف إلى المساحة المحيطة بالمزار تبلغ ما يقارب الخمسة آلاف متر، أما الصحن الشريف فمساحته قرابة الدونم.
ويبلغ ارتفاع القبة المغلفة بالكاشاني الأخضر 18م، كما يحتوي المزار على منارتين ارتفاع الواحدة منهما 27م، وهناك اثنا عشر شباكاً مطلة على المزار الشريف داخل القبة الشريفة فضلاً عن التزجيج بـ (العين كار)، كما يسمونها.
تقام في المزار نشاطات مختلفة على مدار السنة، منها إقامة مهرجانات واحتفالات لولادات الأئمة الأطهار ووفياتهم عليهم السلام، وجلسات قرآنية تُكثف في شهر رمضان.
يعد هذا المشروع من ضمن 36 مشروعاً لإعادة إعمار المراقد الشريفة تضطلع بها الأمانة العامة للمزارات الشيعية بإشراف الشيخ خليفة الجوهر نائب الأمين العام للمزارات.