مقداد عبد الرضا /
لوهلة تتصور أنك في قاعة لعرض الأزياء لولا تلك الإعلانات التي تقول “نحن في مهرجان سينما عربي بامتياز,” في هذه المهرجانات باتت للأسف الصحف وبعض القنوات الصفراء هي التي تتحكم بسير المهرجان من صور وإعلانات متدنية, هذا الفستان أثار جدلاً بين أوساط الفنانين وكذلك الجمهور, وذاك الذي تعثر بفستان زوجته وكاد أن يقع, وهاهو أحدهم يصرخ فوق السجادة الحمراء معلناً عن نفسه بطريقة بائسة. في الليلة الاولى ممكن, لكن في بقية الليالي والأيام ماذا تفعل هذه المهرجانات؟ لانعرف, إنه فقط (حشو) ونجوم تعبنا منهم, وفي الخلف لانرى من السينما سوى “إلى اللقاء في العام المقبل.”
هناك تناقض واضح في مواضيع أفلام دافيد مامت, باعتباره كاتب سيناريوهات ونصوص تتم الاستعانة به او استخدامه, وهو يعرف تماماً أنه يضع موهبته الحقيقية أحياناً على جانب ويقوم بتقديم أعمال للتسلية والمتعة التي هي البضاعة السائدة، كما يقول مامت، وتدر عليك بالربح الوفير (وأنت بذلك لم تشحذ طاقتك الإبداعية). من العسير أن يمنح مامت طاقته الحقيقية، فهو رجل ثقافته السياسية المتينة والراسخة جعلت منه كثير الشكوك أمام نظام هوليوود, باعتباره مخرجاً مستقلاً, إنه يعمل خلاف ما يتوقعه المشاهد.
ولد مامت في شيكاغو عام 1947, أمه ليونور محامية وأبوه براين محامي عمال, تلك الشخصية التي كتبها في فيلم (هوفا)عام 1992, كانوا أول جيل من الطبقة المتوسطة التي نادت بحقوقها. يقول: “كل شيء يسير بالاتجاه المعاكس, يجب أن نتوقف عن كوننا فقراء, يجب أن نتوقف عن كوننا روس.” يلفت مامت نظرنا إلى علاقته بأخته لين التي أحبها بشكل كبير وبقي قريبا منها، والتي تشكل الأساس لمسرحيته القصيرة (جالي) التي كتبها عام 1987. طفولته معها تكشفت في مسرحية (كرايبوتكرام), تلك الطفولة التي كان يكتنفها الكثير من الأسى والحزن. يقول عن طفولته: “لقد تركت لي حاجتين متصارعتين, أن تكون مقبولاً والحاجة لأن تنتقم, إنني دائما أصنع شخصياتي من هذا المنطلق, اللوم على فقدان المعنى, الإحساس بالآخرين, المجتمع, البحث عن الخلاص في أماكن غير محتملة أو أنك أساسا غير مقبول فيها.”
هي ذي المواضيع التي يبرع فيها. أكثر المواضيع يكتبها للمسرح بعد ذلك يتم تحويلها للسينما. تخرج مامت في كلية (كودارد)، فيرمونت، التي لم يكنّ لها الاحترام الكثير، إلى جانب رفضه وعصيانه لمؤسسات التعليم العالي. بدأ مامت بالكتابة منذ عام 1987 بمجموعة مقالات منها في التحليل النفسي والفلسفي مستلاً آراءه من فرويد وأرسطو.
هذه المقالات جعلت منه واحدا من أفضل الكتاب في الوقت الحاضر. الكتابة للمسرح ظهرت عنده في السنة الأخيرة من دراسته في الكلية, إذ اشتغل في المسرح بشيكاغو(سكندستي) و(كدمان), بالتعاون مع المخرج المسرحي جورج موشر. أول كتاباته للسينما كانت مسرحية (فساد جنسي في شيكاغو) التي كتبها في العام 1974, أعدت بتصرف لفيلم عنوانه (حول الليلة الأخيرة) أخرجه ادوارد زويك 1986 من بطولة روب لو وديمي مور, تبعه بعد ذلك بـ (أمريكان بفلو)، تلك المسرحية التي كتبها في عام 1976وحازت على جائزة ( أوبي) وتم ترشيحها كأفضل عمل من قبل نقاد الدراما في نيويورك, حولت في عام 1996 إلى فيلم سينمائي أخرجه (مايك كورنتي)عام 1976.
انتقل مامت إلى نيويورك وتزوج من الممثلة (لندسي كروز), انفصل عنها عام 1991 ليتزوج من الممثلة الانكليزية (ربيكا بيدكوين). قام بكتابة وإعداد أكثر من (30) عملاً, من ضمنها (قارب البحيرة) الذي حوله واحد من الممثلين المفضلين له (جومونتيكا). عام 1991 مسرحية (أدموند) الفائزة بجائزة أوبي عام 1982 التي حولت إلى فيلم أخرجه جيمس فولي بعنوان (كلنكري كلن روز) قام ببطولته ال باشينو. هناك أربع مسرحيات للكاتب الروسي أنطوان تشيخوف بضمنها فيلم قام لوي مال بإخراجه ( فانيا في الشارع24) المعدّة عن (الخال فانيا) والتي اقتبس مامت الكثير من حوارها الأصلي.
في عام 1980 بدأ مامت يبحث عن أماكن أكثر استيعاباً لمواهبه, فاشتغل في كتابة نصوص مهمه (ساعي البريد يطرق مرتين) الذي أخرجه بوب رافلسن عام 1981وهو من بطولة جاك نكلسن وجسكا لانك، (المحلفون) عام 1982 والذي رشح لجائزة الأوسكار كأفضل نص مقتبس, أفضل فيلم, أفضل ممثلين: بول نيومن وجيمس ميسن, أخرجه سدني لومت, تمثيل بول نيومن وشارلوت رمبلنك. هذان الفيلمان هما إعادة لنفس الفيلمين بنفس العنوانين، فساعي البريد أنتج أول مرة عام1946(أبيض وأسود) أخرجه تاي كامت، بطولة لانا تيرنر وجون كارفيلد, معد عن رواية الكاتب (جيمس ام كان), أما (المحلفون) فقد أنتج عام1946 أيضاً أخرجه دون سيكال ومثل فيه سدني كرينستريد وبيترلور. كتب أيضا (المحصنون) إخراج بريان دي بالماعام 1987, بطولة كيفن كوستنر وشون كونري (الذي أدى فيه واحدا من أفضل أدواره إذ انتزع فيه جائزة أفضل ممثل مساعد) وروبرت دي نيرو, ثم فيلم (لسنا ملائكة)عام 1989 أخرجه نيل جوردان, قام ببطولته روبرت دي نيرو وشون بين, هذا الفيلم أيضا إعادة فقد أنتج عام1955 أخرجه مايكل كرتس وقام ببطولته همفري بوكارت وبيتر استينوف, ثم جاء هوفا الذي أخرجه عام 1992 داني ديفيتو وقام ببطولته أيضا مع جاك نكلسن (سبق أن أشرنا له هنا في أحد الأعداد), ثم كتب فيلم (الحافة) أخرجه لي تاماهوري, وأخيرا كتب واحدا من أجمل الأفلام (هزة ذيل الكلب) في العام 1999 بطولة داستن هوفمن وروبرت دي نيرو.