أنسام الشالجي /
اجتمعتُ مع صديقات وأصدقاء، اجتماعاً افتراضياً طبعاً، تطبيقاً للإجراءات الصحية في التباعد الاجتماعي لوضع جدول عمل للبدء في جمع ما نستطيع من أموال لتهيئة السِّلال الرمضانية وتوزيعها على العائلات المتعفّفة التي نحفظ معلوماتها لدينا ونحدِّثها شهرياً تقريباً..
عشرة أضعاف
منذ سنوات بدأنا عملنا التطوعي، في منتصف التسعينيات تحديداً، حين أصبح الحصار يؤثر بشدة في العائلات المتعففة وارتفاع نسبة الذين هم على خط الفقر والذين هم تحته. كنا نعمل بصمت في مساعدة من نسمع قصته حسب إمكانياتنا فنجمع الأموال أحياناً من المحسنين لمن كان بحاجة إلى علاج مكلف، مثلاً..
وبعد تخصصي في الطاقة، اكتشفت في الدراسات والأبحاث أن عمل الخير التطوعي الذي يضاعفه الله سبحانه بعشرة أمثاله إنما يمنح طاقة إيجابية لفاعل الخير، ويستخدم في الوقت نفسه علاجاً..
العلاج
كانت لَميس (اسم غير حقيقي، مدرِّسة، ٤٠ سنة، غير متزوجة) تشكو ابتعاد زميلاتها عنها بعد أن رفضت أن تشاركهم في المساهمة بشراء هدايا لمناسبات مثل الزواج أو الإنجاب، وذريعتها أنها غير متزوجة ولا تنتظر هدية في المقابل منهن! وحين بدأت زميلاتها بجمع الأموال لمساعدة الطالبات المتعففات لشراء موبايلات لهن لمساعدتهن في مواصلة الدراسة (أونلاين) مع جائحة كوفيد، لم يطلبن منها المساهمة، ويبدو أن الطالبات عرفن عدم مساهمتها وأصبحن يتعاملن معها بحذر وخوف. لجأت إليّ لمساعدتها في حل لاستعادة علاقتها مع زميلاتها وطالباتها، ولاسيما أن كل حياتها الاجتماعية مختصرة في المدرسة.
بدءاً كان لابد لها أن تكون صريحة مع نفسها وأن تبعد عنها الإحساس بالحسد من المتزوجات والأمهات، فالحسد طاقة سلبية تؤثر على صاحبها أولاً وتجعله مكروهاً.. أكدت أنها لا تحسدهن، وتحدثت إليهن صراحة بأنها ليست مستعدة أن تمنح هدية دون أن تنتظر المقابل. شرحت لها معنى الهدية وأن هناك مناسبات غير الزواج والإنجاب تستحقها، مثل الترفيع وتغيير البيت. وحدثتها عن فعل الخير الذي سيعيدها إلى حياتها الاجتماعية داخل المدرسة. في البدء حاولت الرفض، ثم اقتنعت بشراء جهازي موبايل من ماركات ليست غالية لكنها تفي بغرض الدراسة عن بعد.
اشترت الجهازين وسلمتهما إلى المديرة كمبادرة منها لمساعدة من تراهما محتاجتين، وعادت وروت لي النتيجة. في البداية لم تصدق المديرة، لكن لميساً اعتذرت عن خطئها في التعامل معهن وأنها تأمل استعادة علاقتها بها وبزميلاتها وطالباتها وأنها سوف تشارك في أي عمل تطوعي للخير وستساهم أيضاً في الهدايا. رافقتها المديرة فوراً إلى غرفة المدرّسات وحدثتهن عن مبادرتها وأعلنت عبر منصة المدرسة للطالبات أن الست لميس تبرعت بجهازي موبايل. ومنذئذ أصبحت لميس إنسانة أخرى، إذ صالحت نفسها وصارت تعتبر الطالبات مثل بناتها، بل إن زميلاتها وافقن على فكرتها بتشكيل فريق تطوعي لمساعدة الآخرين.
الفخر والثقة
شهر رمضان الكريم فرصة كبيرة لفعل الخير والأعمال التطوعية، ولمن لم يجرب تأثيرهما على أسلوب حياتنا، نستمع إلى حديث أحمد (اسم غير حقيقي، محاسب، ٣٦ سنة)، الذي يقول إنه كان يخاف الآخرين بسبب قلة ثقته بنفسه لدرجة أنه لم يكن لديه صديق. عرف من والده أن المنظمة الإنسانية التي تقع قرب بيتهم بحاجة إلى محاسب، وكان هو يبحث عن عمل وعُيِّن فيها، وبدأ يوماً بعد آخر يعرف قيمة العمل الإنساني التطوعي، وطفق ينشغل بالعمل، وكانت كل كلمة شكر، سواء من مسؤولي المنظمة أو الذين يساعدهم، تزيد من ثقته بنفسه. وحين مرت المنظمة بظروف مالية، لم يطالب براتبه لثلاثة أشهر، بل تبرع به لإدامة مساعدة أربع عائلات كانت تعتمد تماماً على المنظمة في حياتها اليومية، وهكذا أصبح لديه العشرات من الأصدقاء، صغاراً وكباراً، وأضحى فخوراً بنفسه ومحل ثقة المنظمة التي أصبح يمثلها في التجمعات والندوات ولا يسأله أي متبرع عن وصل أو صورة لتأكيد إيصال تبرعه إلى من يستحقه.
بادروا
أعود معكم إلى هذه الفرصة الكبيرة: رمضان الكريم، فنحن جميعاً نعرف أن الجائحة أثرت كثيراً على العائلات التي كان معيلوها يعملون بأجور يومية، ولو سألنا فسنجد العشرات منهم حولنا، كل في منطقته أو في مناطق معارفه، كما أن هناك محتاجين بيننا، في الدوائر التي نعمل فيها، السلة الغذائية الواحدة تكلف نحو ٢٠ ألف دينار، قد تكفي أسرة صغيرة أسبوعاً، والأسرة الكبيرة تكفيها ليومين أو لثلاثة أيام، لكنها تحمل معاني كثيرة وتمنح فرحة وراحة للمتعفف. السلة هنا أنموذج، فالعمل التطوعي يعني أيضاً المساعدة في العلاج وشراء ملابس جديدة أو محاولة حل مشاكل اجتماعية، وعملاً بعد آخر، سنجد أسلوباً جديداً لحياتنا تمنحنا راحة نفسية وطاقة إيجابية.
وأخيراً
العمل التطوعي خطوة نحو المصالحة وقبول الآخر وتحسين واقع المجتمع الذي نعيش فيه، وهو عمل (معدٍ) يسري إلى آخرين أيضاً يتمنون أن يكونوا محل فخر وثقة، لكنهم لا يعرفون الوسيلة، وكل رمضان والجميع بخير..