إياد عطية /
مع انبلاج خيوط الفجر الأولى، اتضح للعالم هول الكارثة التي أحدثها الزلزال الذي ضرب مناطق في تركيا وعدد من المدن السورية، ولاسيما حلب، حيث صدم المراقبون بأعداد الضحايا في البلدين التي تجاوزت الآلاف، وبحجم الدمار الذي خلفه. ويعتقد المختصون في علم الزلازل أن المنطقة شهدت بالفعل أكبر زلزال في تاريخها منذ عقود، لا يوازيه بالقوة والتأثير سوى زلزال عام 1939 الذي ضرب شمال شرقي تركيا.
ويقع عدد من المدن العراقية على حافة سلسلة جبال زاكروس التي تمتد في تركيا وسوريا، وهي منطقة زلازل معروفة تاريخياً، وقد شهدت عبر تاريخها عدداً كبيراً من الزلازل المدمرة، لهذا يظل التساؤل منطقياً بشأن احتمالات تأثر العراق بالزلازل التي تحدث في منطقة محاذية لحدوده الشمالية الشرقية، وهي منطقة تقع ضمن حزام زلزالي ناشط يدعى بـ (الحزام الألبي)، ويمتد على طول 15 ألف كيلومتر، ابتداء من جاوة وسومطرة والهند، مروراً بجبال الهملايا، ثم جبال إيران، والقوقاز، والأناضول، انتهاء بالبحر المتوسط، ويحدث 17% من أكبر الزلازل في العالم ضمن هذا الحزام.
وتحيط بتركيا ثلاث صفائح تكوينية، وهي: الصفيحة الأوراسية شمالاً، والإفريقية جنوباً، والعربية شرقاً، كما تنشط فيها ثلاثة خطوط زلزالية فاعلة من الصدوع، ويقع العراق على حافات صدع شرق الأناضول، الذي يمتد بين الصفيحتين الأناضولية والعربية، وهو ثاني أكبر خط زلزالي في تركيا يبلغ طوله 530 كيلومتراً، يبدأ من مدينة (هاتاي) وينتهي في مدينة (موش).
تدافع الألواح الصخرية
يعرِّف مدير إعلام دائرة الرصد الزلزالي (عامر الجابري) الصدوع بأنها كسور تحدث في صخور القشرة الأرضية وتؤدي إلى انزلاقات تعمل على تدافع الألواح الصخرية على امتداد خطوط الصدوع، ما يؤدي إلى زيادة الضغط وانزلاق إحدى الألواح الصخرية وخروج طاقة هائلة على هيئة زلزال.
توقع هولندي!
وفي خضم المحنة والدمار الهائلين في الأرواح والممتلكات اللذين خلفهما الزلزال، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تغريدة مثيرة للجدل لباحث هولندي توقع قبل أيام زلزال تركيا، ذاكراً في الوقت نفسه الدول التي ستتأثر بالزلزال، إذ توقع هذا الخبير الهولندي، الباحث في شؤون الزلازل، (فرانك هوغيربيتس) في تغريدة عبر (تويتر) زلزال تركيا بدقة قبل ثلاثة أيام من وقوعه، كما تحدث عن الدول التي ستتأثر به، وقال إن الزلزال سيحدث بقوة 7.5 درجة مئوية في منطقة جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان. وبفارق أربعة أعشار الدرجة ضرب الزلزال جنوب تركيا، إذ بلغت قوته 7.9 درجات في ساعة باكرة من صباح يوم الاثنين من الأسبوع قبل الماضي، وشعر به سكان سوريا ولبنان والعراق ومصر واليونان وقبرص وأرمينيا.
نشاط زلزالي
وأكد مدير علاقات الأنواء الجوية العراقية عامر الجابري أن “الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا وألحق دماراً هائلاً في كلا البلدين يعد واحداً من أقوى الزلازل التي شهدتها المنطقة.” مبيناً أن “العراق تأثر بهذا الزلزال الذي تسبب بهزة أرضية شعر بها سكان مناطق إقليم كردستان وبقية محافظات العراق، بما فيها العاصمة بغداد، مرجحاً حدوث هزات ارضية لا تشكل خطرا على حياة الناس، تتراوح في قوتها ما بين أربع إلى أربع درجات ونصف الدرجة على مقياس رختر، تعقب في العادة الزلازل الكبيرة وتحدث لإعادة الصفائح الكروية ترتيب نفسها في أعقاب تلك الزلازل.”
أضاف الجابري، في حديثه إلى “مجلة الشبكة”، أن “مراصدنا الزلزالية سجلت زلزالاً بقوة 7,8 حسب مقياس ريختر في منطقة (كهرمان مرعش) بمدينة (أورفة) التابعة إلى (عنتاب) جنوب تركيا، أثر بقوة على المناطق السورية المجاورة للحدود التركية.” مبيناً “أننا نتابع الوضع بعناية من خلال شبكة مراصد زلزالية.” موضحاً أن “العراق الآن في وضع آمن، على الرغم من أن عدداً من المدن العراقية تقع ضمن منطقة معروفة بنشاطها الزلزلي.” نافياً المعلومات التي تتحدث عن احتمال أن تتعرض المدن العراقية إلى فيضان كبير لكون سد أتاتورك يقع في المنطقة الزلزالية. معتبراً أن “المعلومات التي تصدر عن مصادر غير موثوقة، كمواقع التواصل الاجتماعي، لا ينبغي الاستماع إليها، فهي تهدف إما لتحقيق نسب مشاهدة عالية، أو لبث الخوف والتأثير على السكان وإرعابهم.”
الصفيحة العربية
وأوضح الجابري أن “العراق لم يتعرض في تاريخيه الحديث بشكل مباشر إلى أي نوع من الزلازل أو الهزات الأرضية، غير أن مجاورته لدول الحزام الألبي الواقعة ضمن منطقة ذات نشاط زلزالي تجعله يتأثر بهذه الزلازل وفقاً لحجمها وقوتها.” لافتاً إلى أن “أعلى درجة تأثر سجلها العراق بلغت أربع درجات حسب مقياس ريختر البالغ تسع درجات، وفي مناطق محدودة لا تتعدى المدن الواقعة على الشريط الحدودي، فيما سجلت هذه الدول درجات عالية بلغت أكثر من سبع درجات.” وقال إن “مراصدنا الزلزالية ترصد عن كثب ما نسميه بالصفيحة العربية للزلازل، المجاورة لصفيحتي إيران وتركيا، وهي الصفيحة التي تؤثر في العراق، التي إذا ضربها زلزال تحدث هزات ارتدادية في العراق وهي ما تسمى بالهزات اللاحقة، وقد سجلنا بالفعل حدوث أكثر من عشرين هزة لاحقة ارتدادية بعد زلزال تركيا.”
وحدد الجابري المدن العراقية الأكثر تعرضاً للارتدادات الزلزالية، وهي مناطق علي الغربي والعمارة في محافظة ميسان، والسليمانية ومندلي وخانقين وجمجمال وحلبجة، وجميع هذه المدن تقع ضمن المناطق التي تتأثر بالهزات الأرضية التي تحدث في تركيا وايران، لكنها ليست مدناً معرضة إلى الهزات، لافتاً إلى أن “هذه المناطق سبق أن تعرضت الى هزة ارتدادية عنيفة على إثر زلزال عنيف ضرب إيران بالقرب من المنطقة الحدودية بين العراق وإيران عام 2017 بقوة وصلت إلى 7,3 درجة على مقياس ريختر، تأثرت به بشكل خاص مدينة حلبجة، واستشعرت تأثيره معظم مدن البلاد، بل إنه امتد إلى الكويت والإمارات العربية المتحدة.”
شبكة رصد زلزالي متطورة
كما تطرق الجابري إلى الجهود التي بذلت وتبذل لتطوير قطاع الرصد الزلزالي في العراق، مشيراً إلى أن “وزارة النقل أبرمت عقداً مع قطاع الرصد الزلزالي الأميركي المتطور للحصول على 28 محطة أوتوماتيكية للرصد الزلزالي من شركة (كينا ميتريكس) إضافة إلى أجهزة متطورة أخرى من شركة (فايزيلا) النمساوية.”
وبيّن أن “هذه الأجهزة جعلت شبكة الرصد الزلزالي من أفضل شبكات الرصد في المنطقة، وقد تسلمت مديرية الأنواء الجوية -قبل مدة وجيزة- خمس محطات متطورة للرصد ذات منشأ فنلندي، تمثل جزءاً من صفقة تشمل نحو 35 محطة سيجري توزيعها بين جميع مناطق العرق للرصد الزلزالي والأنواء الجوية.
وعما إذا كانت هذه الأجهزة يمكن أن تساعد العراق على التنبؤ بحدوث الزلازل، نفى الجابري وجود هذه الإمكانية في التنبؤ بحدوث الزلازل في جميع البلدان، “لكن هذه الأجهزة تساعد في معرفة نوع الهزات ودراسة تأثيرها وتحديد المناطق الزلزالية الأكثر نشاطاً، ودراسة التغيرات التي تحدث بعد الزلزال.”
وأكد أنه لغاية اليوم “لا توجد أية أجهزة للتنبؤ بحدوث الزلازل في أية دولة، كما يحدث في التنبؤ للأنواء الجوية مثل حدوث الأعاصير والعواصف الترابية والأمطار ودرجات الحرارة.”
ومع هذا، يقول الجابري إن “الأجهزة المتطورة ساعدت في دراسة مناطق الزلازل وتحديدها، ومعرفة أسباب حدوث الزلازل أو الهزات الأرضية، التي ترتبط بشكل مباشر بحركة الصفائح الارضية، وقد ساعدت تلك المعرفة عدداً من الدول على تشييد مبانٍ تستطيع الصمود أمام الهزات العنيفة، وبالتالي التقليل من آثارها، كما حاولت بعض الدول الابتعاد عن المناطق ذات النشاط الزلزلي العالي وتجنب توسعتها، أو إجلاء السكان منها بالتدريج.”
مناطق التمركز السكاني
يؤكد الخبراء أن العالم قد شهد العديد من الزلازل القوية خلال السنوات الماضية، لكن الخسائر الكبرى تحدث دائماً ليس بسبب قوة الزلزال، إنما لوقوعه في مناطق مكتظة بالناس، أو في مناطق ذات مشيدات ضعيفة غير قادرة على تأمين حماية لسكانها، ما يتسبب بوقوع عدد كبير من الضحايا. وقد أشار المختص في علم الزلازل (ستيفن هيكس) إلى أن “السبب الرئيس لارتفاع أعداد الضحايا في سوريا هو أن الزلزال وقع في منطقة مكتظة بكثافة سكانية عالية.”