إياد عطية /
تحمل زيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العراق معاني ودلالات إنسانية وروحية، فهي أول زيارة للبابا خارج الفاتيكان منذ تفشي كوفييد ١٩ في العالم.
وتحظى الزيارة التي وصفت بالحدث الاستثنائي باهتمام عالمي وعراقي كبير، لأنه البلد الذي شهد أقدم الحضارات الإنسانية، ومسقط رأس أبي الأنبياء إبراهيم الخليل (ع)، على موعد مع تلاقي الديانات الإبراهمية، والهدف دائماً هو تعزيز قيم الإنسان وحريته وكرامته، والدعوة إلى المحبة والتعايش، ولاسيما بعد أحداث قاسية عاشها العراقيون في السنوات الأخيرة، بعد سيطرة تنظيم (داعش) على مدن عراقية وقتل وسبي وتشريد سكانها.
الزيارة التي تستمر أربعة أيام، سُبقت بوصول وفد من الفاتيكان للاطلاع على ترتيباتها ومتابعة الإجراءات الأمنية على الأرض.
ترحيب كبير
وأعربت أوساط رسمية وشعبية عن سعادتها بزيارة البابا، فقد رحب رئيس الجمهورية برهم صالح بالزيارة ، وقال في تدوينة “إن رحلة البابا فرانسيس إلى بلاد ما بين النهرين – مهد الحضارة، ومسقط رأس إبراهيم والد المؤمنين، رسالة سلام للعراقيين من جميع الأديان، وستعمل على تأكيد قيمنا المشتركة في العدل والكرامة”.
وتابع أن “زيارة البابا إلى العراق، بلاد ما بين النهرين، وأرض الرسل والأنبياء، وموطن أور والنبي إبراهيم، تمثل حدثاً تاريخياً، ودعماً لجميع العراقيين بمختلف تنوعاتهم”.
وأضاف، “كما أنها تمثل رسالة سلام إلى العراق والمنطقة بأجمعها، وتؤكد وحدة الموقف الإنساني في مجابهة التطرف والصراعات، وتعزز التنوع والتسامح والتعايش”.
من جانبها، عبّرت وزارة الخارجية عن سرورها بزيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى العراق.
لقاء الأديان
وشدد الأب ألبير هشام، المنسق الإعلامي لزيارة البابا من جانب الكنيسة في العراق وراعي كنيسة تهنئة العذراء مريم، على أهمية مكانة أور الروحية والحضارية، ليس للمسيح فقط، بل لجميع الأديان، ولذلك فإن قداسة البابا يريد أن يلتقي جميع الأديان في بيت النبي إبراهيم، ويريد أن يلقي خطابه هناك.
ولفت الأب ألبير إلى أن البابا يوحنا بولس الثاني عندما أراد زيارة العراق عام ٢٠٠٠، لم تتحقق تلك الزيارة وعوّضها بإقامة قدّاس في الفاتيكان قرب رمز يمثل أور لأنه أراد أن يقود الناس إلى الحج الروحي، فزيارة أور تعني الحج الروحي وهو مكان يتقرب فيه الناس إلى الله .
وقال الأب هشام إن زيارة البابا إلى بلاد الرافدين تمثل حدثاً تاريخياً، وهي زيارة غير مسبوقة إلى مهد الحضارات، وأن لها دلالات وأهدافاً متعددة ، فهو أول بابا يزور العراق الذي يشكل بلداً مهماً، ليس لمكانته التاريخية والحضارية، بل لقيمته الدينية بالنسبة للمسيحيين.
وأوضح أن قداسة البابا سيحمل رسالة المحبة والسلام، وبالطبع حتى في الشعار الرسمي وضعت حمامة كدلالة على رسالة السلام ، مبيناً أن من طبيعة قداسة البابا فرنسيس عندما يزور أي بلد أن لايتحدث م مع الكاثوليك أو المسيح، بل مع كل الشعب، لذلك فهو سيتحدث الى الشعب العراقي بكل أديانه، لأنه يسعى الى إرساء المحبة والسلام في هذا البلد.
وأكد أن قداسة البابا سيلتقي اية الله السيد علي السيستاني في مدينة النجف نظراً للمكانة التي يحتلها السيد السيستاني بالنسبة الى المسلمين في العراق والعالم، ولأن قداسة البابا يؤمن باهمية حوار الأديان ، وأن هذا اللقاء سيكون رسالة الى المسلمين والمسيحيين عن أهمية الحوار والتعاون بينها، كي يتعلموا جميعاً، ولكي نتعلم جميعنا منهما أهمية الحوار والتعاون والسلام بيننا.
الحج الى أور
وقال الكاتب الدكتور علي الموسوي إن زيارة قداسة بابا الفاتيكان الى أور الشامخة، حيث سيؤم الناس هناك، لهو حدث روحي كبير، فحينما تتعانقُ القيّمُ الانسانيةُ النبيلة مع شرائع السماءِ السمحاء، فإن البابا يُصبح بالمنظورِ الجمالي المشترك هو أول حاجٍ انساني لمهدِ الحضارات العراقية وأحضانِ مدينة أور الأثرية ومهد النبي ابراهيم (ع).
وأكد أن أور المحبة والسلام أرضٌ تتوارثُ فيها قيّم المحبة والتسامح والإنسانية، فلا غرابة أن تنبثق من تربةِ أورها الحضارية لقاءات التلاقي العميق بين المسيحيةِ والإسلام من أجل توطيد الطمأنينةِ وبثها للعالمِ أجمع من أرضِ اعتادت أن تشع حضارةً وتعايشاً وإيماناً حقيقياً يُنعش القلوب ويدفعها للسلامِ ويجعلها أكثر محبةٍ لدرجة أن التطرف الوحيد الذي يُسمح به هو تطرف الحب والسعادة.
وتابع: هناك قرب بيت أبي الأنبياء في مهدِ اورٍ الشامخة والذي بإمكانه أن يشكل نموذجاً فريداً في تعزيزِ قيم التسامح والانفتاح على الآخرِ ومحاورتهِ وأيضاً تشجيع العراقيين على تخطي الماضي الأليم ببلسمةِ الجراحِ والتلاحم من أجل النمو وترسيخ قوانين العيش المشترك واحترام التنوع والتعددية، لان مشيئة الاختلافِ بين الأمم في معتقداتها الثقافية وطرق تفكيرها هو بالحقيقةِ قدرٌ إلهي قضت بهِ حكمة الباري، لذلك لم يعد أمامنا خيار غير الرضوخِ لحوارِ الحياة من أجل الحياة لدرجة يُصبح فيها التنوعُ فضيلة وفرصة للتفاهمِ .
وشدد الموسوي على أننا نُراهن على أن الأخوةَ الإنسانية سوف تتجلى في أرقى صورها بين قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان بين المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، هذا اللقاء المُطعم بنكهةِ التعدديات يحض العالم بأسرهِ على تأصيلِ قيمِ التعايشِ السلمي واعتماد الحوار كثقافةٍ وأسلوب حياة، ولاسيما أن هذه الزيارة سيرافقها العديد من الفعالياتِ والأنشطة التي تُبعث من خلالها رسائل مهمة إلى العالم عِبر خطاب الوعي والاعتدال والتلاقي بين مختلفِ الديانات والثقافات القائمة على مبدأ أننا شركاءٌ لا غرماء في الأوطان وبعيداً عن لعبة الآيديولوجيات والمعتقدات والأديان.