سارتر يحتج على حكومته: لماذا لم أسجن حتى الآن؟

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

سيطر الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر على جزء كبير من الثقافة العالمية في منتصف القرن الماضي وأثر فيها، وكانت لمواقفه السياسية الجريئة شهرة واسعة ومنها موقفه من احتلال بلاده للجزائر ومطالبته بانسحاب فرنسا منها..

وقد وقّع مع مجموعة من الشخصيات الشهيرة على بيان يطالب فيه الجنود الفرنسيين في الجزائر بالانسحاب وعدم المشاركة في القتال. وقد اعتقلت السلطات الفرنسية بعض الموقعين على البيان، فاحتج سارتر بقوة على الحكومة وسالهم: لماذا لم تعتقلوني؟!

جان بول سارتر ثائر على حكومته لأنها حققت مع فريق من موقّعي عريضة احتجاج ولم تشأ بعد ان تحقق معه وتحاربه هو!

فجان بول سارتر يعذبه ضميره بأن يعامل معاملة يشعر معها أن ثمة شكاً في إخلاصه لمبادئه في منح الحرية للشعوب المضطهدة الثائرة وبصورة خاصة شعب الجزائر المناضل.

هذا ما أعلنه أخيراً صراحة أمام جمهور من رجال الصحافة دعاهم للاجتماع به في محترف زوجته سيمون دي بوفوار في حي مونبارناس وقال:

– لقد كنت أتوقع، عندما عدت الى فرنسا، أن أُدعى للتحقيق والمحاكمة بتهمة توقيع عريضة المئة وواحد وعشرين “وهي العريضة التي تدعو المجندين الفرنسيين الى الفرار من الجندية في حرب الجزائر” على اعتبار ان كثيرين ممن وقعوا العريضة قد اتهموا وحقق معهم، وقد أُخذ عليهم ليس فقط أنهم وقعوا نص العريضة بل أنهم أسهموا في تحريرها واشتركوا في جمع التواقيع عليها.

مع أنني اعترفت أنا أيضاً بهذه الوقائع، ومع ذلك فإنهم يمتنعون عن دعوتي للتحقيق رغم أن القاضي لا يخفي عزمه على اتهامي، مما يدل على أن فصل السلطات لم يعد موجوداً وأن العدالة أصبحت من الآن فصاعداً بين ايدي الحكومة، وبالاختصار فإنني متهم وغير متهم ومازالت رجلي في الهواء.

لماذا؟

إنه لمما يخشى ألا يكون هذا الاتهام لأسباب واضحة جداً، اولاً لخلق وزنين، وقياسين بين موقّعي العريضة وفرض تهديد بالمحاكمة على البعض، وعدم اعتبار الآخرين غير الملاحقين عن قصد بإعطائهم شعوراً بأنهم يستطيعون أن يفعلوا كل شيء دون أي خطر، واخيراً –وهو اخطر ما يكون من القضية- فقد استخدمت كأمثولة على إطلاق سراح مثيري الاضطرابات في مدينة الجزائر والذين يحاكمون أخيراً بتهمة الرد على حكومة ديغول، ولا سيما حين نسمع محامي لاغيار يقول: “كيف يمكن أن نفهم أن يكون موكلي في السجن بينما سارتر يسرح ويمرح بحرية؟”
الخلاصة، لقد استخدموا اسمي لإطلاق سراح متهم آخر في تلك القضية وهو سوسيني، انه تزوير، توازن، تعويض،، سموا ذلك ما شئتم، ولذلك اقترح ان يحبسوني في آن واحد مع سوسيني، وبذاك ينقص عدد النازيين الذين يسرحون بحرية واحداً ولكن الأهم من ذلك كله هو ان هذا النازي “وقد أثبت فراره أخيراً ذلك” هو اشد خطورة من أي شخص آخر.

أما في ما يتعلق بعريضة المئة وواحد وعشرين –وقد أصبح عددهم اليوم مئتين وخمسين- فقد كانت ميزتها أنها جرّت اليسار الى اليسار وجعلته جذرياً ونحن لا نعلن بأنه يجب ان يكون المرء متمرداً على الجيش بل نقول فقط إننا نؤيد اولئك الذين يتخذون مثل هذا الموقف الفردي وتجاه هذا الجهاز الضخم للدعاية في سبيل الحرب في الجزائر، نحمل فقط إمكانية حرية الاختيار وهذا كل ما في الأمر.

ولو كان السؤال المطروح على الاستفتاء هو كما يلي: هل تؤيدون تقرير المصير الذاتي الممتزج مع ضمانات مفاوضة مع جبهة التحرير الوطني؟ لكنت أصوت: أجل، رغم انني أعارض بصورة أساسية كل نظام صادر عن انقلاب، أما الباقي فهو مشروع طفولي لن يحسم شيئاً.