شاركوني محنتي

#خليك_بالبيت

رجاء خضير /

حينما تتبلّد مشاعرنا وأحاسيسنا تتحوّل إلى روبوت فُقِد جهاز محكّمه، فهو بلا نفع ولا ضرر، وهكذا نحن البشر لا نحسُّ بالآخرين وما يفعلونه من أجلنا، ومن جديد نبدأ بالبحث عن خيط يوصلنا إلى حيث البداية ولا نهاية له، وهذا هو التّيه الحقيقي الذي تعيشه الكرة الأرضية: التي نحن جزءٌ منها!!

بلا مقدمات قالت: كنتُ افتخر بعائلتي؛ أمي وأبي فأنا البنت الوحيدة لهما، حبُّهما لي ورعايتهما كانت تثير إعجاب صديقاتي ومدرّساتي مما زاد اهتمامي بدراستي فتفوقتُ وحصلتُ على معدل عالٍ يؤهلني لدخول أرقى الكليات ولكنّني تفاجأتُ بمعارضة والديّ لرغبتي هذه، حيث طلبت أمي أن أسافر إلى قريبة لها في بلدٍ آخر وهناك أكمل دراستي، وسألتها… لماذا يا أمي فأنا لا استطيع فراقكما: ثم ما يعيب الدراسة هنا؟ لم تجب، بل اِكتفت بالقول: عدّي هذا أمراً، بكيتُ وتوسلتُ بوالدي أن يفهّمني موقفها هذا: ولكنّي لم أحصل على أيّ جواب يريحني!!
وفكرتُ بمن يساعدني في مشكلتي هذه! فليس لديّ أقارب أو أهل لوالديّ ولمّا كنتُ أسأل عنهم دائماً؛ كانا يقولان إنّهم يعيشون في محافظة أخرى وبيننا مشاكل عديدة، وهنا التجأتُ إلى جارة لنا طيّبة القلب تزورنا باستمرار، وعلاقتها بأمي جيدة، وقصصتُ لها معاناتي، ورجوتها أن تخبرني اذا كانت تعرف شيئاً بخصوص والديّ وأنا لا أعرفهُ؟ قبّلتني وطلبت مني أن أترك الموضوع ولا أسأل:
إذن أُغْلِقَتِ البابُ التي تأملتُ منها الراحة.
وبدأتُ أراقب خروج والديّ، اتصالاتهما، عملهما الذي يمتد لساعات متأخرة من الليل، وحصلتُ على معلومات كانت غائبة عني، ولمتُ نفسي. أين كنت من هذه التفاصيل، وكيف لم انتبه واتحرّى عن أهلهما.
وفي أصبوحة ربيعية فاتحتُ أمي أن تخبرني بما تخفيه عني، ولماذا أسافر بعيداً لإكمال دراستي؟ وقلتُ لها اتوسّل إليك يا أمي أن تريحيني.
ضمّتني إلى صدرها بقوّة وقالت بحزن شديد: (هذا أفضل لك يا ابنتي) وسكتت…
بدأتُ بالاستعداد للسفر، أكملت أوراق سفري مرغمة وأنجزنا كلّ شيء بسرعة كي ألحق العام الدراسي هناك.
بين دموعهما وحزنهما كان الوداع الذي حضرته جارتنا الطَّيّبة وحينما قبلتها همست بأذني: أرسلي لي عنوانكِ حينما تستقرين، دون علم أهلكِ.
وطوال الرحلة كنتُ أفكّر بما تخفيه هذه الجارة ولماذا امتنعت حينما سألتها، لا بدّ أنَّه سرٌّ خطير، في المطار استقبلتني صديقة أمي، رحّبت بيّ وقادتني إلى شقّتها الفخمة، وهناك تعرّفتُ على زوجها وابنتها، وحدّثتني عن الكلية وأوقات الدوام و….و..، كما أكدتْ لي أنّ جميع مصاريف إقامتك وأجور الدراسة قد دُفعتْ سلفاً من قبل والديك.
لم أقل كلمةً واحدةً لأنّني لم أفهم ما يدور حولي… مضت الأيام سريعة ولم أنسَ كلمات جارتنا؛ فبعثتُ لها عنواني الجديد، وانتظرتُ حلّ اللغز.
وفي يوم سألتُ صديقة أمي عن سرّ إصرار أمي أن ابتعد عنهما، لم تجب، بل اكتفت بالقول: (المستقبل هنا أفضل لكِ)….
كرَّرتُ محاولة المعرفة من ابنتها الشابة الجميلة التي أكدت لي أنّها لا تعرف شيئاً.
إذن مفتاح السرّ عند جارتنا، كتبت لها ثانية وثالثة… وأخيراً تلقّيتُ مكالمة سريعة منها قالت: حينما تصلكِ رسالتي، لا تقرئيها أمام مَنْ تسكنين معهم.
وتكتّمتُ على الموضوع وانتظرتُ الرسالة بفارغ الصبر وأخيراً تسلّمتها، أخفيتها بين كتبي، وفي الجامعة انفردتُ بنفسي وقرأتها وأنا غير مصدّقة لما جاء بين سطورها، أعدتُ قراءتها مرّات عدّة وفي كلّ مرّة يزداد عجبي واستغرابي لخطورة المعلومات، مرضتُ بعدها، وسألتني صديقة أمي وابنتها عما بيّ؛ فعلّل زوجها… بأنّني أشعر بالغربة لفراق أهلي! وحينما تعافيتُ قليلاً اتّصلت بالجارة وسألتها عن صحّة ما جاء في الرسالة: أكدت لي صحّتها…
وصرختُ في حديقة الكلية…. إذن أنا لستُ ابنتهما: مَنْ أمي ومن أبي! ما السرّ الذي يغلّف حياتي؟
الرسالة تقول: جاء والداي إلى المنطقة التي نعيش بها برفقتي وأنا طفلة لا اتجاوز العام، وتربّيت ونشأت بين أحضان والديّ، عفواً لا أعرفُ من هما.
وأكدتِ الجارة أنّه في أحد الأيام اشتدت معركة بين جماعة غرباء وأمي وأبي وتدخل الجيران لفكّ هذا الاشتباك، إذ عرف بعض الجيران أنّ الشجار كان بسببي، كان الغرباء يطالبون باستردادي فأنا ابنتهم، وأمي الحقيقية قد توفيت بظروفٍ غامضة، وقد تبنّتي هذه العائلة التي أعيش معها، وهذه العائلة ذات تاريخ مجهول بعد أن تبرّأ أهل والديّ منّي. وحينما صحا ضميره بعد خروجه من السجن لقضية ما، جاء يستردني ورفضت العائلة التي تبنّتي طلبه، عندها أشهر مسدسه على منْ ربّياني ولكن إصابتهم كانت طفيفة، وجاءت الشرطة ونقلوهما إلى المستشفى واقتادوا زمرة الشرّ إلى السجن، أما أنا فقد تكفّلت بي هذه الجارة الطّيّبة.
صدمتُ وأنا أقرأ الرسالة، ولكن صدمتُ أكثر حينما عرفتُ عمل والديّ، اللذين ربيّاني وتأخرهما ليلاً:
أغلقتُ الرسالة التي فسّرتْ كل ألغاز حياتي، جهلي لحقيقة منْ عشتُ معهما، عملهما، حبّهما لي وإجبارهما على إبعادي عنهما، و…و.
عدتُ إلى البيت وأنا لا أعرفُ كيف وصلتُ ويبدو أنّني وصلتُ سيراً على الأقدام وحينما فتحت لي صديقة أمي الباب، سقطتُ أرضاً من شدّة الإعياء، ونقلوني في إثرها إلى المستشفى ليعطوني مهدئا، بعد إفاقتي سمعتُ صديقة أمي تخبر الممرضة بأنّها خالتي، شقيقة مَنْ ربّتني! ومرّة أخرى سألتُ نفسي، لماذا قالت أمي لي أبعثكِ إلى صديقة لي: ولم تقل أختي.
وبكيتُ لجهلي بمنْ أعيش معهم مرّة ثانية.
وقرّرتُ مفاتحة صديقة أمي، عفواً خالتي، وتوسّلتُ بها أن تقول لي الحقيقة فقالت:
أنتِ ابنة من عائلة معروفة وغنيّة في محافظة (!) وحينما ولدتِ أنثى، طُلِّقتْ والدتك بسبب تخلّف أهل والدك، الذين تخلّوا عنك لتأخذك أختي التي اعتنت بك هي وزوجها، ولسيرتهما الخاطئة رُفضت من قبل أهلي ولكنّي لم أقطع علاقتي بها، فأنا في بلدٍ بعيد.
ولكي تحافظ عليكِ أرسلتكِ إلى هنا لتعيشي بيننا ومع ابنتي.
هذه كلّ الحكاية!! وانهارت علّيّ الأسئلة!!
إذن، ماذا عليّ فعله يا خالتي!
أعود إلى وطني!
أعود إلى منْ ربّتني!
أعود لأسأل عن أهلي الحقيقيين !
ماذا أفعل!!؟
شاركوني أيُّها القرّاء حيرتي هذهِ!!