باسم عبد الحميد حمودي /
يستخدم الباعة الجوالون حديثاً في بغداد التي اتسعت كثيراً، البيكبات المتمهلة في السير في الحواري وأنواع التكتك، لعرض بضائعهم والمناداة عليها لحثّ ربات البيوت صباحاً على شراء المواد المعروضة من خضار وفواكه أو بطانيات و(دواشك) أو أسماك تلبط في البيكب المفتوح الذي يربط البائع على حاوية الأسماك فيه (موتوراً) يحرك الماء الذي في الحاوية المحصورة بـ(جتري)جامع للسمك وهو ينادي (سمج يلبط – سمتي مبربع – اهنا يللي يحب السمج) وهكذا.
اللكلك علّا وطار
قديماً كان الباعة يدورون ببضائعم في حواري بغداد سائرين ببضاعتهم، يرددون أهازيجهم ويغرون الكبير والصغير بالشراء.
أهم زبائن الدوّارين من باعة الحلويات الشعبية هم الأطفال، ومنهم بائع (بيض اللكلك – اللقلق) الذي يدور حاملاً بضاعته من شارع الى عكد، وقد وضع البضاعة في سلة مخروطية مغطاة بقماش وهو ينادي مرقصاً عباراته:
اللكلك علّا وطار
وكّر ابّيت المختار
شاف الحلوة تتبختر
والشعر منثور أصفر
علّا وطار
الأطفال يتراقصون حوله ويشترون حلواه المكوّنة من السكرين (روح السكر) صُنعت بطريقة خاصة في هيئة مخروطية ملونة فإذا وضعها الصغير في فمه ذابت سريعاً، وقد يشتري الطفل أكثر من قطعة إذا لحق بالبائع المغني الذي قد يكون استدار الى دربونة أخرى.
برد كلبك بالثلج
والكاف فارسية في نداء بائع الثلج الذي كان يجلس في رأس الشارع في صيف بغداد اللاهب، حافظاً ثلجه بالتبن في حاوية خشبية بجواره، وأمامه منضدة عليها قالب ثلج ومنشار ليبيع للراغب ربع القالب أو نصفه، قبل دخول الثلاجات الكهربائية البيوت وهو يصيح:
وغره الدنيا يا ثلج
برد كلبك بالثلج
عندها يحمل المشتري القطعة التي اشتراها بمنديل مخصوص الى الدار لتوضع في ثلاجة خشبية فيها حاوية قصدير (تنك) مقسمة للماء والثلج وتخرج منها حنفية صغيرة للإرواء، وما زال باعة الثلج في الشوارع الرئيسة لبيع ثلجهم لباعة السمك والفواكه ولمن يحتاج الثلج ولايجده في بيته!
العجوز التي تطارد!
النامليت: مرطبات تحفظ في قنانٍ تكون سداداتها كرة زجاجية ملونة نسميها (دعبلة)، يقول عزيز الحجية في الجزء الأول من موسوعته (بغداديات) إن للنامليت أوانيَ مختلفة (منها الأحمر والبرتقالي ويضع البائع القناني في حوض مصنوع من الجينكو وعليها قطع من الثلج يغطيها بكونية) يحمله على عربة يدور بها وهو يصيح:
النامليت البارد
يخلي العجوز تطارد
والعجوز التي تطارد أهزوجة ضاحكة كناية عن برودة المشروب وتأثيره السحري حتى على عجائز أيام زمان قبيل دخول أنواع المشروبات الغازية الى الدكاكين والسوبر ماركتات والمولات التي صارت تذهب اليها العجائز قبل الشبان.
للدوخة دوا
ودواء الدوخة هنا هو الطرشي الذي يحمله البائع قديماً في “نجانة” مطلية بالقاشاني الأخضر فيها طرشي (مخلل) من اللفت (الشلغم) ومن الخيار التعروزي أو خيار الماء صغير الحجم.
يباع الطرشي في كاسات صغيرة مخصصة لدى البائع الجوال، تقطع بسكين صغيرة حسب الطلب والبائع يصيح:
للدوخة دوا.. يا حامض
طرشي شلغم.. خيار حامض
أبو العنبة وصمون
عندما كنا نجلس في مقهى المرحوم أحمد سمير على شاطئ دجلة بالكرخ لنقرأ استعداداً لبكلوريا الثالث والخامس (ولم يكن هناك صف سادس) كنا نتشهى الطعام من البيض الى اللبلبي إلى الصمون والعنبة، وكان الباعة ينتشرون قرب المقاهي أو يدورون داخلها ويمتنعون – بأمر صاحب المقهى- عن المناداة على بضائعهم خشية إقلاق الطلبة الدارسين.
وكانت الرغبة بالطعام تضييعاً للوقت وهرباً قد يدوم دقائق من الدروس الثقيلة في فرصة الإطعام لصبيان وتّرت الامتحانات المقبلة أعصابهم، وقد يتراشقون بالماء أحياناً عند غياب صاحب المقهى تنفيساً وراحة للنفس.
باعة آخرون
ومن نداءات باعة الفواكه والخضر المتعددة:
وزيري يا تين-لاوي يا تين
حموي يا مشمش
حاج أحمد العنجاص
بيض الحمام يا لبدرايه – للتمر الزهدي
مال الجبل يا زعرور
ومئات النداءات الجميلة الموحية الداعية للشراء والتمتع بما وهب الله للبشر من نعم.