عبد الجبار خلف/
لم أشاهد سوى الابتسامة تلوح على شفتي الفنان صادق علي شاهين، رحمه الله (مواليد مدينة بغداد 1939- 2013)، حين سألته أن يستذكر لي يوماً مميزاً من حياته، وبعد هنيهات ابتسم أيضاً وكأنه أستذكر ما جرى له في عام 1945 وذكر اسم (حلبوصة) فأستغربت الاسم وطلبت منه أن يحكي لي الحكاية.
قال: كان عمري حينها نحو ست سنوات، حينما أصيبت عيناي بما يسمى (الرمد الصديدي)، وحار بي الأطباء وأهلي الذين كانوا يأخذونني إلى كل امرأة انجبت بنتاً، لتضع في عينيّ قطرات من حليبها عسى أن أشفى، ولكن لم تنفع، ووضعوا فيهما (الزرقيون) أيضاً، وكانت آخر وصفاتهم (الجلة)، اجلكم الله، وهي روث الحيوانات، فكانوا يضعونها في عيوني لكي.. أنام!!، وكل ذلك لم ينفع مع عيوني التي ازداد وضعها سوءاً.
وصمت للحظات ثم أضاف: وذات يوم.. جاء طبيب ألماني إلى منطقة الصالحية، فعرضوني عليه، فوصف لي (قطرة عين ودهن)، وقال لأهلي: إن لم يفتح عيونه خلال شهر.. فأنه سيظل أعمى طوال عمره، وهكذا كان اهلي يومياً يضعون في عيوني القطرة والدهن ويعصبونها بـ (الجرغد).
وتابع حديثه: ومرت أيام قليلة وأهلي مستمرون على هذا العلاج، وذات يوم تزوجت (حلبوصة) وهي فتاة من منطقتنا (الجعيفر) وكانوا قد زينوا مواكب زفتها بدمى ملونة، ولأنني معصوب العينين، راودني الفضول أن أرى العرس، فرفعت العصابة قليلاً ثم قلت بصوت مسموع: (هذه لعابات حلبوصة)، فسمعني أهلي،فقالوا: كيف عرفت؟ فقلت: رفعت (الشدادات) وشاهدتها، وفرح أهلي بشفائي من هذا العمى.
وأوضح: لكن هذا العمى حرمني من المدرسة التي لم تقبلني بسبب تخلفي عنها، ما اضطر أهلي لارسالي إلى الكتاتيب من أجل أن أتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن، ومن ثم ذهبت إلى (مكافحة الأمية) في الكرخ بالدراسة المسائية، وعندما نجحت في امتحانات نصف السنة ارسلوني إلى الصف الثاني وهكذا تواصلت.