عامر جليل ابراهيم – تصوير: حسين طالب /
أثر من الآثار الإسلامية المشهورة، يعرفه العراقيون جيداً لا سيما أهل النجف، يقع على مرتفع صخري في الجزء الغربي من المدينة.
كان صاحب الأثر ملكاً من ملوك اليمن وزعيماً من زعمائها يوم كانت اليمن غير موحّدة وتضم كثيراً من الممالك وكان شريفاً حسيباً مطاعاً يمتلك الكثير من العبيد والأموال، ذلك هو مرقد أُثيب اليماني أو صافي الصفا.
“مجلة الشبكة العراقية” في سعيها للتعريف بأماكن السياحية الدينية، زارت هذا المزار والمقام الشريف والتقت الحاج عبد الحسن شنون الأمين الخاص للمزار، فحدّثنا قائلاً: يحتل مرقد الإمام علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام) أهمية كبيرة في نفوس المسلمين، انسحبت هذه الأهمية على الكثير من مقامات التابعين من رجال علم وصلاح ومنهم العبد الصالح أثيب اليماني (رض).
يقع مرقد اليماني في منطقة الصفا المشرفة على وادي السلام في النجف الأشرف في جزئها الغربي، وقبره عامر ومشيَّد ويعود تاريخ بنائه إلى القرن السابع الهجري، عليه قبةٌ بيضاءُ صغيرةٌ فوق حرم سميك الدعائم والجدران، يزوره الناس من كلّ بقاع العالم.
يبعد المزار عن مرقد الإمام علي (ع) (300م) ويقابل المقام القديم المشهور والمعروف بمقام زين العابدين (ع) وكان كلا الحرمين خارج سور النجف الذي بناه “آصف الدولة الهندي” وأدخلهما الصدر الأعظم نظام الدولة “محمد حسين خان الأصفهاني” وزير السلطان “فتح علي شاه القاجاري” ببناء سور يحيط بالمقامين إلى بلدة النجف الأشرف وما زالت جدران السور الصغير قائمة حتى اليوم، وكان ابتداء بناء السور هذا سنة 1217هـ وإكماله سنة 1226هـ.
من هو اليماني؟
يحدّثنا الأمين الخاص للمزار: قبل الكلام عن هذا الرجل اليماني (رض) لا بدّ أن نذكر بعضاً من الأحداث التي عاصرها وطبيعة المجتمع اليمني وكيفية دخوله في الإسلام وما لتلك البلاد من تاريخ مشرق في قيادة المسلمين ونشر الإسلام وموالاة على وآل علي (ع)، إنّ إسلام أهل اليمن كان على عهد رسول الله (ص) عدا ما كان هناك من اليهود ونصارى نجران الذين رفضوا الدخول في الإسلام، وقد أسلمت جميع قبائل اليمن في عام الوفود، ولكن إسلامهم لم يكن في وقت واحد وقد ابتهج رسول الله (ص) بذلك وقال: “أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوباً وأرق أفئدة”.
بعث رسول الله (ص) علياً (ع) إلى اليمن والياً عليها، فأسلمت على يديه قبائل همدان في يوم واحد وكان ذلك أواخر السنة الثامنة للهجرة، فكتب أمير المؤمنين (ع) إلى رسول الله يخبره بذلك فلما قرأ الكتاب (ص) خرَّ ساجدا لله ثم رفع رأسه وقال: (السلام على همدان السلام على همدان)، ويضيف الحاج شنون: كان اليماني ملكاً من ملوك اليمن وزعيماً من زعمائها؛ متفانياً في حبّه لعلي (ع).
مراحل الإعمار
يؤكد الحاج شنون: كان مقام أمير المؤمنين (ع) ومزار العبد الصالح أثيب اليماني (رض) عبارة عن قبّة صغيرة محاطة بصحن صغير ثم تطوّرت عمارته على مراحل عدّة، الأولى سنة 759هـ إذ شُيِّدتْ فيها على القبر الشريف قبّة وتمّت توسعة المقام المكرم والقبر الشريف وأضيفت إليه بعض الملحقات، وكان ذلك في عهد حكم الدولة الجلائرية الممتد من سنة 738ـ814هـ، إذ حظيت مدينة النجف الأشرف باهتمام كبير وخُصِّصتْ أوقاف لمرقد أمير المؤمنين وكان ذلك في عهد سلطانها “أويس الجلائري” وقد جدّد هذا السلطان ضريح الإمام (ع) وشيّد سور النجف الأشرف.
العمارة الثانية كانت في سنة 1142هـ وتمّت على يد الحاج “محمد تقي آل عصيدة” المتوفى سنة 1165هـ وقد أرّخ لها أحد الشعراء شعراً مُثبَّتاً على إحدى الصخور الموجودة في المزار.
العمارة الثالثة كانت في سنة 1179هـ وقد تمّتْ على يد رجل تركي اسمه (علي) كما تُفيد الأبيات الشعرية التي أرَّختْ لها والمُثبَّتة على إحدى الصخور الموجودة في المزار.
العمارة الرابعة كانت في سنة 1404هـ لمّا أقدمت الحكومة السابقة على تهديم محلة العمارة التي يقع فيها المزار المكرم سنة 1982م، وبعدها تحرّك القائمون على هذا الأثر المقدّس وحصلوا على الموافقات الأصولية من الجهات المختصة في حينها وشرعوا ببناء المقام المكرم والمزار الشريف على وفق الطراز الإسلامي، وقد صدرت إجازة البناء من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تحت رقم 698 في 7/5/1983م باسم المرحوم الحاج مجيد سلطان عزيز آل شنون والمرحوم الحاج حمودي سلطان عزيز والمرحوم الحاج محمد الحاج باجي عزيز مع أسرتهم آل شنون الدراويش المخزومي وقد أضيف إليه كثير من الملحقات وقد أرّخ لتلك العمارة المرحوم الأديب الشيخ عبد الأمير الحسيناوي.
العمارة الخامسة جاءت بعد أن قصفت قوات التحالف سنة 2003م المقام المكرم والمزار الشريف ودمّرت الجزء الأكبر منه، فتعطّلت بذلك نشاطاته الإسلامية والإنسانية التي كانت تقدّم للزائرين الكرام، فبادر ديوان الوقف الشيعي والأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة في العراق إلى إعادة إعماره بعد أن أصبح المزار تحت مظلتها وفق قانون العتبات المقدسة والمزارات ذي الرقم 19 لسنة 2005م وقد أُضِيفتْ للمزار مرفقاتٌ خدميةٌ كثيرةٌ وأُسِّست فيه مراكز عديدة كمركز علوم القرآن، والمكتبة المتخصّصة للدراسات العليا، والمكتبة الالكترونية، ومركز العلوم والأبحاث الفلكية.
وأضاف شنون: يضمّ المزار مصلّى يتّسع لألف مصلٍ، وحرماً يتّسع لألفي زائر، ومضيفاً يتّسع لألف زائر لكلّ وجبة، وأروقة خارجية لاستراحة الزائرين ومتحفاً ودار ضيافة للوفود، وإدارة للمزار، ومجموعتين صحيتين بجوار المزار، بواقع مئة مرفق مع حمامات ومغاسل للوضوء ومجموعة تبريد الماء الصالح للشرب وغيرها مما يصبّ في خدمة الزائرين الكرام.
مزار صافي الصفا
يقول الحاج شنون: إنَّ مساحة المزار 3750م ويتكوّن من 4 طوابق، الطابق الأرضي هو الطابق المتوسط الذي يكون بمستوى أرض النجف، أما الطابق الأسفل وهو الأول ففيه الحرم الشريف والقبر وهذا الطابق هو الأرض الأصلية التي بقيت على وضعها القديم، وكذلك يوجد طابق سفلي ثانٍ وهو المضيف الذي أسميناه مضيف أمير المؤمنين. مساحة الحرم نحو 1200م ومساحة المضيف نحو 800 م وهو تحت الحرم الشريف، أما الطابق الأرضي فيشمل المصلّى ومساحته 750م وكذلك قاعة المناسبات الكبرى ومساحتها 250م والمداخل الخلفية والأمامية والجانبية والطابق الرابع وهو العلوي الذي يشمل دار الضيافة والإدارة وتشمل 10 غرف ومن ضمنها قاعات الاجتماعات والمرصد الفلكي ومكتب الأمين الخاص، وطابق السطح للمزار وتوجد المخازن والقبّة الفلكية وهي على ارتفاع 5م فوق سطح المزار، ويبين شنون: أما الحرم فيوجد فيه المتحف الذي يحتوي على مقتنيات المزار القديمة من أوانٍ وصخور ووثائق ومخطوطات.
أما الشباك فقد تمّ تصنيعه في مصنع السّقّاء التابع للعتبة العباسية لصنع الشبابيك والأبواب الخشبية وبقية الواجهات الخارجية وبعض الأمور البسيطة وتنتهي مراحل الإعمار.
الزيارات
وعن زيارة المرقد يحدّثنا الأمين الخاص للمزار: أغلبية زوَّارنا يأتون في المناسبات الدينية الكبرى مثل أربعينية الإمام الحسين(ع) والزيارة الشعبانية والرجبية لا سيما ونحن بالقرب من أمير المؤمنين، ودخول الزائرين يكون من جهة المزار الذي هو في الجهة الغربية من حرم أمير المؤمنين و95% من الزائرين يأتون من الجانب الغربي، وفي زيارة الأربعينية وهو وقت الذروة قد يصل العدد إلى10 آلاف زائر ونوفر لهم كل الأمور اللوجستية عبر العشرات من موظفي المزار، فنحن لدينا 75 موظفاً.
المرصد الفلكي
ضمن مشاريع صافي الصفا اليماني (رض) وتلبية للحاجة الملحة في مجال رؤية الهلال في أول الشهر الهجري وحالات الخسوف والكسوف وسائر الظواهر الفلكية الأخرى التي يحتاج المؤمنون إليها وتوضيحها وبيانها؛ أنشئ في المزار المرصد الفلكي كما يوضح الأستاذ أحمد عبد الحسين عباس مدير المرصد الذي قال: كان اختيار العبد الصالح صافي الصفا أثيب اليماني (رض) لما له من قرب من العتبة العلوية المقدسة ومكاتب المرجعيات في الحوزة العلمية الشريفة وبسبب موقعه الجغرافي المميّز الذي يشكّل نقطة جيدة لرصد الهلال فهو يطلّ على منخفض وسهل بحر النجف الأشرف، وهو يشكّل أعلى موضع غربي المدينة مما يجعله مواجهاً للهلال تماماً في الأفق والرصد الفلكي، ويبلغ قطر قبّة المرصد 6م.
ويضيف مدير المرصد الفلكي: عملنا هو مراقبة الهلال والأحداث الفلكية ومتابعتها، وإقامة دورات ومحاضرات لطلبة المدارس والجامعات لشرح كل ظاهرة فلكية، ولدينا تلسكوبان؛ واحدٌ في القبّة الفلكية والثاني في قاعة المحاضرات للتعليم، كل تلسكوب يضمّ مجموعة من العدسات نستطيع عبرها تصوير المشتري وزحل.
وعن الهدف من إنشاء المرصد يبيّن أحمد عبد الحسين عباس مدير المرصد: لعلّ مسألة الاختلاف في بداية الشهر القمري وثبوت رؤية الهلال من أكثر المسائل جدلاً بين أوساط المؤمنين، لما يترتب عليها من أمور شرعية واجتماعية مهمّة كالحج والصوم والعيد والمناسبات، ولذا كانت فكرة إنشاء المرصد الفلكي الإسلامي في النجف الأشرف من أجل المساعدة في تشخيص موضوع الحكم الشرعي وبيان وضع الهلال أول الشهر الهجري، وحالات القمر والشمس من ناحية الخسوف والكسوف وغيرها، ويعدّ هذا المرصد نواة لمركز أبحاث فلكية وفضائية عبر إقامة بنك للمعلومات المفصّلة والأرصاد والظواهر الفلكية التي تنمو مع الزمن لتكون أرشيفا شاملا للدراسات والأبحاث، وهذا المرصد مشروع حضاري إسلامي بالدرجة الأولى ومحاولة توظيف الوسائل الفلكية والخبرات الحديثة لخدمة القضايا الإسلامية التي لها ثقل عبادي واجتماعي، وكذلك الاستفادة من المعلومات الهائلة التي وفَّرتها وكالة ناسا الفضائية الدولية والمراكز البحثية الأخرى، ومن أهداف المرصد أن يكون مجمعا بحثيا ومعرضا فلكيا يستقبل الوفود والطلاب لتقديم العروض وإقامة الندوات التي تخصّ الشأن الفلكي.