عاقِبوني أنا المذنبة الأولى

رجاء خضير /

الألم والوجع قد يتفقان، عندها يغيّران المشاعر الصادقة والقلوب الطيبة، لتدور في أفلاكٍ ليس لها قرار، ونبقى ندور سنوات طوالاً كي نجد الأسباب التي أقنعتنا آنذاك… لكننا لا نستطيع فعل شيء، إلا في حالة واحدة لنسترجع ما فقدناه… فإما أن نوقف الزمن أو نعيده إلى الوراء… وهذا هو المستحيل بعينهِ!!
قالت بجرأة واضحة في كلماتها: لا أخفي عليك الحزن الذي تسببته لزميلتي في العمل، المخطوبة لشاب جميل وجذاب وميسور الحال، كنتُ ألقّنها كيف تكسبهُ أكثر إلى صفها، فهي تجهلُ أمور الحب وما يقال في هذه المواقف. نصحتها أن تقرأ ما يُنشر على (الموبايل) و…و…. وهي تقص لي كلّ ما يحدث مع خطيبها وسر الخلافات بينهما، فهمتُ منها أن أهلهُ الأغنياء لا يرغبون بها زوجة منذ البداية، وأمام إصراره هو انتصر حبهما واستطاعا إقناع الأهل. وفعلاً بعد مدّة تجاوب أهله معها، ولاسيما أمه التي اكتشفت فيها إنسانة طيبة ونبيلة. سارت الأمور بينهما طبيعية وهادئة، لذا عقدا القران وسط فرحة الأهل والأقارب، كنتُ من بين المدعوّين، عجبتُ من فخامة بيتهم والمغالاة في تقديم الهدايا التي أبهرت الجميع، هنا سحبتني أمي إلى مكان خالٍ من الناس وقالت لي (هذه الزيجة التي تفرح القلب وإلا فلا)، رجوتها أن تسكت كيلا يسمعها أحد!
بعد نهاية الحفلة عدنا إلى بيتنا فأسمعتني أمي كلاماً استغربتهُ منها، دخل والدي علينا ويبدو أنه سمع حوارنا فصرخ بها أن تسكت وتترك الموضوع، فهذا عيب بحق زميلتها وأهلها الذين عرفناهم منذ سنوات… خرجت أمي من الغرفة وهي تدمدم: ابقي هكذا بلا زواج ولا يوجد من يتقدم لكِ!!
حزنتُ كثيراً من هذا الكلام وبعد خروج والدي من غرفتي توجهت نحو المرآة لأرى وجهي وهل صحيح أنه لا يلفت النظر… رأيته بعكس ذلك صافياً وجميلاً… إذن ما بال أمي وما سرُّ إحساسها هذا؟
في اليوم التالي ذهبتُ إلى عملي، لم أجد صديقتي لأنها في إجازة قصيرة، وحينما هاتفتها أخبرتني بأنها مع خطيبها تقضي وقتاً سعيداً، وأغلقت الهاتف ولا أعرف كيف عادت كلمات أمي إلى ذاكرتي في الحفلة وفي بيتنا وفكرتُ فيه كثيراً، واعترفت بأن أمي كانت على حق، ولكن ما العمل؟….
عادت زميلتي إلى العمل واستقبلها الجميع بالفرح والتبريكات وتمنوا لها حياة زوجية سعيدة، وما هي إلا ساعات قليلة حتى جاءها خطيبها ليأخذها إلى البيت ويسألها: هل قدمّتِ استقالتك؟ وأمطرنا عليها الأسئلة لماذا؟ وما سبب ترككِ العمل… نظرت إليه بحبٍ وقالت سنتزوج قريباً ويريدني أن أتفرغ له. وهكذا غادرتنا بعد أن أدخلتني في دوامة الغيرة التي زرعت بذرتها أمي منذ ذلك اليوم…
بدأ يراجع دائرتنا لمتابعة معاملة خطيبته، وكنت أساعده في إكمالها… وانتبهت أنه يطيل النظر فيّ وأحياناً يتفوه بكلمات لا أفهمها وعندما أسأله يقول لي… لا شيء… لاشيء.
هكذا ولدت علاقة غير صحيحة بيننا، ولا أعرف كيف تطورت، كنا نخرج معاً إلى المطاعم والمتنزهات و…. وليلاً أفكرُ بصديقتي وأعترف بأنني أخونها مع خطيبها وأقسم على نفسي بأن لا أقابله ثانية، ولكن عند الصباح يتغير كل شيء وأركض إليه حينما يدعوني… وفي مرة تجرأت وصارحته أننا نخطئ بحق خطيبتك وصديقتي: ضحك وقال: أنا شرحت لها بل وصارحتها بأننا لا نليق لبعضنا، لذا علينا ألّا نكمل هذا الارتباط، فبكت وصرخت وقالت لي: الآن تقول لي هذا الكلام؟ قاطعتُه أنا وسألته، هل عرفتْ بقصة حبنا؟ رد: لا ..لا تعرف شيئاً، وهذا أفضل لحين إنهاء الأمور بيننا، وبعدها أفاتح أهلي بحبي لكِ.
الفرح والحزن خيمّا عليّ في آن واحد، إذن لا بُد أن أحدث والدتي بكل شيء، وبعدما سمعت مني التفاصيل أجابتني (الزواج قسمة ونصيب). عجبتُ من برودها وأنا التي كنت أخشى ردة فعِلها من هذا الأمر…
وفاحت رائحة علاقتنا، وفي يومٍ فوجئت بزيارة صديقتي للعمل ودخلت غرفتي وأغلقت الباب وقالت: أنتِ أقرب صديقة لي، لا أصدق بأنك وراء تدمير خطوبتي، وحدثتني بأدق التفاصيل عني وعنه، إذن هي تعرف كل شيء، بقيتُ جامدة أمامها، وفي النهاية انهارت وبكت وانقلبت ثورتها إلى توسل ورجاء في أن أقف معها في محنتها.. تطلبُ من الجلّاد أن يرحمها وينصفها، وأنا كنت ذلك الجلّاد.
جمعتُ قواي وسألتها: ما نوع المساعدة التي أقدمها لك، وأنا منْ ستسرق سعادتك؟
أجابت بخضوع: ليتزوجني شهراً واحداً ثم يطلقني لأنني حامل بابنهِ!! صُدمتُ من اعترافها هذا ولم أصدقه، فأعطتني التحاليل التي أثبتت صحة قولها، وشرحت لي كيف حدث ذلك ومتى، وقالت: إنه أساء إليَّ وإلى سمعتي، وإذا لم يقبل بهذا الحل فسأنتحر وأتخلص من الفضيحة لكي لا أجلب العار لأهلي.
تحدثت معها طويلاً وقلتُ لها إن انتحار شابة مخطوبة هو العار بنفسهِ، تجاوبتُ معها ووضعنا خطة ننفذها معاً، أنا أمتنع عن مقابلته أو الحديث معه وأسافر إلى خالي مدّة لينسى ما كان بيننا، أما هي فعليها أن تتقرب إليه أكثر وتخبره بأن جنيناً في أحشائها منه، فقد يراجع نفسه ويعود إليها!
أخبرت أمي بأنني مشتاقة لخالي وأريد السفر إليه، سألتني أسئلة عدة لم أجب عنها.. وهكذا سافرت وتناسيتُ كل شيء مما حدث معي، وتواصلتُ مع صديقتي وطلبت منها أن تخبرني بما يحدث معها، لكنّ أخبارها لم تكن مشجعة ولا مطمئنة، إذ أنه انهار حينما علم بسفري، وقد زار أهلي وأخبرهم بحقيقة مشاعره تجاهي، فما كان من والدي إلا أن طرده من بيتنا شرّ طردّة. احتقرتهُ وكفرتُ بحبه لي، وبعد أيام شعرت بحزن عميق لا أعرف مصدره، اتصلت بصديقتي لأعتذر منها على هفواتي وأخطائي ولأبلغها بأنني سأبقى عند خالي المغترب حتى تعود هي إلى خطيبها وحياتها التي دمرتُها في لحظة تهور وطيش، لم ترد على هاتفي، كررتُ الاتصال ولم تجب، في يومٍ أجابني شقيقها الكبير وأبلغني بأنها انتقلت إلى رحمة الله وأغلق الهاتف.
صدمتُ بالخبر الذي حلّ عليّ كزلزال وقع على رأسي، اتصلت بوالدتي لأعرف ما سبب وفاتها فأجابتني بصوت حزين: ماتت حينما أجبرها خطيبها على الإجهاض، لم تتحمل العملية، وهنا افتضح السر وعرف أهلها وأهلهُ وحضروا إلى العيادة النسائية لتندلع معركة كبيرة اشتركت فيها العائلتان، فما كان من والدها حينما رآها ممددة على السرير تسبح ببركة دمها إلا أن يسحب مسدسه ويصوبه نحو خطيبها وهو يقول بأعلى صوته: عليك أن تموت معها لقد فضحتنا بين الناس، ووسط ذهول الجميع استقرت الإطلاقات النارية برأسه وصدره فأردته قتيلاً.
أغلقتُ الهاتف مع أمي وتملكني الخوف، منْ تسبب بهذا كله؟ أنا المذنبة الأولى في هذه القضية تسببتُ بموت ثلاثة هي…. هو…. وجنين بريء.
يا الله كيف ستسامحني!!
كيف أنسى كل هذا؟ وكيف… وكيف وأنا ما زلت في ذهول وندم مما حدث لهما. عرف خالي القضية مني فطلب مني العودة لأنه يخشى على بناته مني!!
وهذه أولى خطوات العقاب!!