ضحى مجيد سعيد/
استوقفني منتج كثر عرضه في غالبية المحال وبسطيات الباعة الجوالين، وهو علكة الماء، أو العلكة المرة ، فلا يكاد يخلو مكان أو محل من هذه العلكة الطبيعية المشهورة التي تستخرج من الأشجار. حاولنا التعرف على ما يميز هذه العلكة وكيفية استخراجها وماهي فوائدها.
التقينا الأخ (سلمان عزيز)، أحد العاملين في مجال تصنيع العلكة الكردية – ٥٥ عاماً- الذي قال: إن العلكة الكردية هي إحدى الصناعات التقليدية في إقليم كردستان العراق، إذ أن هنالك مناطق محيطة بمدينة السليمانية تشتهرُ بوفرة أشجار (البطم) التي تستخرج هذه المادة الصمغية او المادة الخام للعلكة من جذوعها، ومن هذه المادة الخام تُصنّع هذه العلكة المستخرجة من شجرة البطم او الحبة الخضرة .
مادة دوائية
وأضاف سلمان عزيز: يُقبل المواطنون على شرائها من داخل محافظات الإقليم ومن خارجها لمذاقها الطيب، فضلاً عن كونها مادة دوائية تُستخدم في بعض الأغراض العلاجية. موضحاً أن هذه الصناعة طبيعية لاتحتاج إلى موادٍ حافظة في حال تأخر استخدامها، كما لا توجد محاذير أو سلبيات ناتجة عن كثرة استخدامها، لذلك فإن الإقبال على شرائها واستخدامها في المجتمع العراقي كبيرٌ جداً، فضلاً عن كونها مطلوبة أيضاً في البلدان المجاورة، وإن هذه المنتجات الطبيعية يتميز بها شمال العراق، وربما تكون غير متوفرة في بلدان أخرى.
عجينة خاصة
للتعرف عن كثب على خصوصية هذه المادة وكيفية إنتاجها توجهنا الى منزل الأخ (عز الدين محمد) أحد القرويين العاملين في انتاج هذه العلكة، يسكن في مدينة السليمانية – ٦٠ عاماً- يقول: أتهيأ أنا وزوجتي في هذا الوقت من كل عام استعداداً لإنتاج (علچ المي)، إذ تبدأ المرحلة الأولى في المنزل بتحضير عجينة خاصة مكونة من التبن يضاف اليها بعض الماء وتُخلط حتى تُصبح مُتماسكة ومتينه، ومن ثم نضعها في أكياس بلاستيكية للحفاظ على تماسكها، في اليوم الثاني ومع سطوع ضوء الصباح تبدأ المرحلة الثانية ورحلة من العمل الشاق بالذهاب الى طريق معزول شديد الوعورة، حيث توجد شجرة البطم، إذ لا تصل إليه أية وسيلة نقل، لذا يتوجب علينا السير مشياً على الأقدام لأكثر من ٤٠ دقيقة حتى نصل الى مزارع القرية حيث مصدر العلكة.
يضيف قائلاً: دقائق من المشي كفيلة بأن تُشعرنا بالتعب والإرهاق، فلا نجد بُداً من الاستعانة بالوسيلة الوحيدة هنا للإنقاذ والمساعدة، فنتبادل مع الفلاحين ركوب الدواب حتى نبلغ وجهتنا. أما المرحلة الثالثة فتتطلب الحذر والحرص إذ نبدأ بـ(تجريح) جذوع الشجر في أماكن مختلفة، ومن ثم نجلب العجينة التي حضّرناها سابقاً لنصنع منها ما يشبه الإناء الصغير ونُلصقها عند حافة كل شق حتى تبدو الشجرة للناظرين وكأنها لوحة منقوشة، كما نحاول أن نجعل المشهد أكثر جمالاً هنا بأصوات الغناء والشعر الذي نُردده طوال الوقت الذي نقضيه في العمل.
يكمل: إن أبرز ما يُميز مادة الصمغ التي تُستخرج من اشجار البطم رائحتها الزكية التي تُنعش سكان المنطقة، فضلاً عن كونها تُنتج أجود أنواع العِلكة الطبيعية الخالية من أية مادة كيماوية، لذلك نفتخر بوجودها في مزارعنا.
المادة الصمغية
الأخ (محمد اسماعيل) أحد الفلاحين – ٢٨ عاماً- يقول: تبدأ مهمة الفلاحين هنا في كل عام من شهر تموز، بالتحضير لعملية استخراج العلكة التي تحتاج الى أكثر من شهرين من العمل المتقطع، والأن نحن في مرحلة إعداد شقوق على جميع الأشجار في الحقل، وبعد الانتهاء تُترك الحلقات لنحو شهر حتى تمتلئ الأواني بالمادة الصمغية المتسربة من الشقوق وبعدها تأتي مرحلة إزالة الصمغ ووضعه في عُلب.
مضيفاً: بعد أشهر من العمل الدؤوب تُتوج مراحل عملنا بالحصول على العلكة الطبيعة بجمع المادة اللزجة وغليها ثم تغليفها لتصبح جاهزة للبيع في جميع اسواق العراق، إذ أننا نبذل جهداً كبيراً كي نحصل على هذه العلكة الكردية ونحافظ عليها بحذر كي لا تتضرر المادة اللزجة، لأنها لو تعرضت للأمطار فسوف يلحقنا الضرر في الموسم كلياً، لأن هذه المادة الخام لا تتحمل المياه، وكثيراً ما حدث ذلك معنا في مواسم سابقة، لذلك ننزع العجينة ونزيل من داخلها المادة اللزجة قبل اشتداد الحر حتى لا تذوب ويُصبح انتزاعها صعباً. موضحاً: تنتج الشجرة الواحدة عادةً نصفاً الى كيلو غرام واحد من المادة اللزجة.
الأخ (محمود محمد – ٢٥ عاماً) أحد العاملين في محل لبيع العلكة يقول: إن العلكة الكردية التي لدينا هنا في الأسواق تأتينا من بعض القرى المحيطة، والغالبية منها تحضر يدوياً في المنازل، وقسم منها في المعامل المحلية، أما عن الأسعار فهي تختلف حسب جودتها ومدى صفائها، فالطبيعية التي تكون دون أية اضافات تكون أسعارها أغلى والعكس صحيح، فبعض القطع تُباع بدولارٍ واحد فيما قد يصل سعر بعض الأنواع الى ٢٠ دولاراً ، موضحا أن الناس يُحبذون شراءها لأنها تُستخدم كدواء للمعدة والجروح والكسور -حسب قوله-.