رجاء خضير /
الهواء يحملُ كل شيء بعيداً عن موطنه, وكم تمنيتُ أن أكون قشّة او ريشة يحملني كيفما يشاء الى أي بلدٍ أحطُ فيه لأتخلص من عذابات نفسي ومما أحسهُ من أخطاء حدثت معي ولا أعرف كيف الخلاص منها.
هل انتظر الفرج لمثل حالتي أم انتظر المنقذ الذي سيأتي ويخلص الكثيرين أمثالي؟
ها أنا آتيه في ظلمات روحي وظلمات ما حولي، فكيف النجاة.. ومتى يفتحُ الأمل أبوابه لي بالحب؟ بالحنان؟ بالعودة الى(:)… أم أبقى بالانتظار!…
أنا الابن الأصغر في عائلتي التي تتكون من أربعة إخوة وبنت واحدة, لذا كان الدلال والمحبة من نصيبي أنا أكثر من بقية إخوتي. كان والدي يرفض هذا الأمر لأمي وينصحها أن تساوي بين أولادها خشية عليهم من الفرقة, وكم ذكّرها بإخوة يوسف وما فعلوه به, ولكنها لم تكن تسمع إلا صوت قلبها. هذا الأمر جعلني أتلكأ في دراستي، بل تركت المدرسة بينما أشقائي قد تعافوا واجتهدوا في دراستهم وشقّوا طريقهم بنجاح, وقبلوا في أرقى الجامعات. كنت أحزن حينما أرى فرحهم بنجاحهم وحين يخرجون الى الكليات كنت أختلي بنفسي وأبكي, وأتمنى أن يعود بي الزمن لأكافح واجتهد أسوة بهم. كانت نظرات والدي الى أمي تحزنني, وكم من مرة تناقشا ليذكرها كم نصحها لتغير معاملتها لي. كانت تبكي ولكنها لا تعترف بخطئها, فكنت أحزن لحزنها وأتوسل بوالدي أن يتركها وشأنها, فهي فعلت ذلك لحبها لي, لأنني صغيرها.
في يوم جاءني ابن خالتي وطرح عليّ فكرة, فرحتُ بها واعتبرتها خلاصي مما أنا فيه, والفكرة هي أن أسافر معه الى (!) حيث أن له صديقاً هناك سيعمل جاهداً ليجد لنا عملاً, وقد وعده بذلك.
حدثت والدي بالأمر الذي أمطرني بأسئلة عديدة: ما نوع العمل هناك؟ ومنْ هو هذا الصديق هل هو عراقي او من اي بلدٍ: و…و….وفي النهاية رفض الفكرة نهائياً, ونصحني أن أجد عملاً في بلدي…!
كانت أمي تسمع هذا الحوار فأقنعت والدي بالسفر كي اشقّ طريقي سواء هنا في بلدي او في الخارج, ومادام هناك منْ سيجد لهما عملاً لماذا الرفض؟!
وهكذا سافرتُ مع ابن خالتي الى(!) وفعلاً وجدنا صديقه ينتظرنا في المطار, اخذنا الى الفندق وانتبهتُ أنه يتحدث كثيراً مع أشخاص كثيرين وبلغة الدولة التي نحن فيها. بعدها طلب منا أن نرتاح ونتجول ونطّلع على البلد فترة قصيرة, ثم بعدها يعرفنا على صاحب العمل, سألتة وما نوع العمل وكم نتقاضى و…و… ضحك وقال: لاتتعجل كل شيء سيتم أمامكما! وفعلاً بعد مضي ثلاثة أيام جاء ومعه شخص غريب قدمنا لهُ, ومنذ أول لحظة شعرتُ أنه رجل غير مريح, يتحدث بلغة غريبة وغامضة, ولم أعرف سر فرح ابن خالتي به, انتهت المقابلة على أن نتقابل في البلدة(!) التي تبعد عن العاصمة كثيراً, ثم سلّمنا ظرفين وجدنا فيهما مبالغ كثيرة وبالدولار.
فرحتُ وحزنت في آنٍ واحد, فماهو العمل الذي يدرُ علينا مبلغاً كهذا. اتصلت بوالدي لأخبره كما طلب مني وكان هذا شرطه ليوافق على السفر, ولكن ابن خالتي سحب مني الهاتف وأغلقهُ بل، وبلهجة آمرة، طلب مني أن لا أتصل بأي شخص وأكد لي بأن هذا ما طلبه منا صاحب العمل، لذا نصحني أن نخرج ونرفّه عن نفسينا ونرى الجنة بعيداً عن رقابة الأهل او المعارف.
وقبل أن نبدأ بالعمل، وأثناء تجوالنا تعرفتُ على فتاة جميلة عراقية الأصل ساعدتنا كثيراً في التفاصيل اليومية, أحببتها واعترفت لها بذلك، ضحكت وقالت: نحن لا نعرف بعضنا إلا منذ فترة قصيرة, وأضافت أن ما أشعره تجاهها هو بسبب الغربة التي أعيشها، ونصحتني بعدم التعرف على أشخاص لا أعرفهم مسبقاً. بعدها لم أعد أراها. ثم تعرفت على فتاة أجنبية جميلة جداً وتعمقت علاقتنا كثيراً, لا سيما بعدما أعود من عملي الذي كان في مصنع كبير للحديد والصُلب، فكانت راحتي بعد التعب، واثناء عملي كنت ألاحظ أموراً تجري في المصنع لاتمت بصلة للعمل. حدثت ابن خالتي فنصحني أن لا أتدخل.
كان صاحب العمل يتقرب كثيراً من ابن خالتي, يخرجان معاً، يسافران أحياناً الى مناطق أخرى, وحينما أسأله يقول: إنه العمل. بعدها أفهمني بأنه سيُنقل الى عملٍ آخر في منطقة بعيدة, وعلّي أن أنتبه لنفسي ولعملي!! حزنت كثيراً وأخبرت والدي بكل التفاصيل فنصحني بالعودة فوراً, لأن العمل في هذا المصنع والذي يدرُ عليكما مثل هذه الأجور العالية يعني أن أمراً ما يجري خطأً، ثم سألني لماذا نُقل ابن خالتك الى مكانٍ آخر؟!
فكرت في كلام والدي ونصحهِ, ولكن المال له حلاوة وحب لا يُنكران، لذا استمررت بالعمل, سألتُ مرات عديدة عن ابن خالتي, حيث كان صاحب العمل يؤكد لي أنه بخير ولكنه مشغول ولا يستطيع الاتصال بك. بعد فترة عرفت أنه عاد الى بغداد لمهمة ثم يعود وعجبتُ من الأمر, وبصراحة خفت كثيراً, وفكرت بكلام والدي فقررتُ العودة واخبرتُ والدي بمخاوفي وبأن العمل في المصنع غير سليم وانهم يصنعون(!) فأمرني بالهروب وبالعودة او اللجوء الى اي مركز شرطة هناك.
عملتُ بنصيحة والدي, وطلبت الجواز من صاحب العمل, ضحك باستهزاء وأفهمني بأنه لا عودة الى الوطن، أنت اصبحت واحداً من زمرتنا.. وابن خالتي؟
-هو يعرف كل شيء قبل أن تأتوا الى هنا وهو من أصدقائنا النشطين.
لم أدعه يكمل بل تناولت عموداً حديدياً فضربته على رأسهِ، ومن حسن حظي كنا بمفردنا, هربت بعد أن أخذت جوازي من درج مكتبه, وذهبت الى المطار وعدتُ الى بغداد, لأجد منْ ينتظرني ويقودني الى السجن، أنا بانتظار المحاكمة كي أدافع عن نفسي وبأني أجهل كل شيء!!