فكرة الطائي /
“تباعد الزوجان بعد حب حقيقي،” وقد لمس الزملاء في العمل والأهل والأصدقاء هذا النفور بين الزوجين وراحوا يناقشون الحل ويبحثون عن الأسباب التي أدت الى هذا التباعد، حتى أن الزوجة في كثير من الأحيان كانت تتعرض لأسئلة من زميلاتها، إلا أنها لم تكن تعرف الإجابة المطلوبة، وكانت صادقة في ذلك لأنها لا تجد سبباً مقنعاً لهذا البرود والتباعد والرغبة في الحياة الزوجية.
قد نسأل أنفسنا عن أسباب هذه الغربة بين شخصين يعيشان تحت سقف واحد ولديهم هموم وأفكار ومشاعر وطموحات مشتركة، لكن كيف تهدمت، أو تفككت، هذه المشتركات ليعيشوا حياة الغرباء، كثير من الزيجات قد تنتهي الى هذه النهاية الباردة في العلاقة الزوجية وفي المشاعر الإنسانية، علاقة فيها تقاطعات واختلافات ومشكلات ومناكدات على أبسط الأشياء وأتفهها، من دون مراعاة للعِشرة والعائلة وآثارها على الأبناء ومستقبل العلاقة الزوجية ذاتها التي قد تصل الى الانفصال وخراب العائلة.
الخطوبة ميدان اختبار
تلوم السيدة صفاء محسن (موظفة) بنات جنسها بقولها: “لا أدري كيف تضع النساء أنفسهن في شباك الغربة في الحياة الزوجية؟” استغربت من السؤال الاستفزازي للسيدة صفاء، ما قادني الى التساؤل: هل هناك زوجات يصنعن غربتهن بأنفسهن؟ في حديثها المستمر بينت صفاء الآتي: “كان لابد على الزوج والزوجة أثناء فترة الخطوبة من أن يفهم بعضهم بعضاً بشكل واضح وصريح، وأن يناقشا نقاط الاختلاف بينهما ليصلا الى تفاهمات من أجل أن يعيشا حياة سعيدة، إذ أن فترة الخطوبة هي ميدان اختبار لهما، لا أن يرحلا اختلافاتهما الى ما بعد الزواج اعتقاداً منهما أن هذه المرحلة كفيلة بمعالجة تلك الأمور، وهذا الأمر غير صحيح، لأن هناك سلوكيات لا يمكن معالجتها بعد الزواج، وهي أشبه بالأمراض الصعبة المستعصية على العلاج، وأنا هنا أضع اللوم على النساء اللائي يفضلن الارتباط ويتركن المعالجات لكي تأتي لاحقاً، لأن لا معالجات سوف تأتي لاحقاً، وإنما ستتراكم المشكلات بتعمق نقاط الاختلاف التي تؤدي الى التباعد والقطيعة والنفور والغربة، وكان الأجدر أن تكون المعالجات في فترة الخطوبة.”
غياب الحوار
يرى السيد فهد كاظم (أعمال حرة) أن هناك أسباباً كثيرة لغربة الزوجين، من أبرزها -كما يقول- “العناد بينهما، ولاسيما في الأمور الأساسية التي تتعلق بحياة الأسرة أو في تنظيم وترتيب بيت الزوجية، والاختلاف في وجهات النظر، سواء بالنسبة لتقييم الأشخاص من قبل الأهل والأقارب، أو الإصرار على وجهات النظر الخاطئة وعدم القناعة في تغييرها، حين يرى الزوج -أو الزوجة- أن الاقتناع بوجهة نظر الآخر هو إهانة للكرامة، وهذا اعتقاد خاطئ، كما أن غياب الحوار بين الزوجين يؤدي الى برود العلاقة بسبب ضعف المشتركات الخاصة بينهما تدريجياً، ما يقود الى غربة نفسية وروحية تؤدي الى انهيار العلاقة الزوجية، فالحياة الزوجية هي حياة مشتركة قائمة على الحوار والتفاهم من أجل بناء أسرة سعيدة.”
متاعب الحياة
فيما يقول السيد كاظم علي (موظف) إن “من أهم أسباب غربة الزوجين هي متاعب الحياة اليومية، الاقتصادية والاجتماعية بصورة خاصة، كذلك طول فترة الزواج التي تمتد لعقود، وما تخلقه من رتابة يومية مملة، لذلك لا يتحمل الزوج -بالدرجة الأساس- هذه الرتابة في البيت من قبل المرأة، كذلك فإن المرأة، بمرور السنوات ومن جراء الولادة والحمل وتربية الأولاد، تتعب جسدياً وذهنياً ونفسياً، فتقصر أحياناً بحق نفسها وبحياتها الخاصة، اذ تكون حياة أسرتها ونجاحات أولادها هما متعتها في الحياة، فتهمل نفسها وتبعدها عن الاهتمام بحياتها الزوجية، وبزوجها بصورة خاصة، لذلك تراهما يعيشان تحت سقف واحد لكنهما في الحقيقة غريبان نفسياً عن بعضهما.”
تتفق السيدة رباب أحمد (موظفة) مع ما طرحه السيد كاظم إذ تقول إن “الرتابة اليومية في حياتنا تجعلنا نشعر بالملل، ما يؤثر على حياتنا الزوجية ويصيبها بالشلل العاطفي، وذلك يبعد أحد طرفي العلاقة عن الآخر.”
غريبة حتى في وجوده
في الوقت الذي يرى فيه السيد أيوب خالد (موظف) الذي يعمل في مكان بعيد عن سكناه، ما يضطره الى الغياب عن البيت أياماً وأسابيع، في هذا الغياب مصدر تأجيج واشتياق لعائلته وزيادة في مناسيب الحب، فإن السيدة ناجحة خالد (ربة بيت) ترى خلاف ذلك، إذ تقول: “إن غياب زوجي المتكرر عن البيت ولفترات طوال يجعلني في موقف حرج وصعب ويتسبب في خلق فجوة بيننا أدت الى ابتعادي عنه وشعوري بالغربة حتى في وجوده داخل البيت.”
ارتباط منقوص يؤدي إلى غربة
يقول الباحث التربوي قحطان عدنان إن “الغربة بين الزوجين موضوع واسع جداً له أسباب مختلفة، لكن يمكن إيجاز تلك الأسباب بالآتي: فهي أولاً يمكن عدها نتيجة متوقعة لارتباط منقوص أساساً، بمعنى أن هناك خللاً ما عند خط الشروع الأول، من أسبابه فارق العمر الكبير، أو البنية الثقافية والمعرفية المختلفة للطرفين، أو وجود تجربة عاطفية لدى أحد الطرفين، أو الحالة النفسية المضطربة لدى أحدهما، أو الفارق الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي الطبقي، أو الميول والاهتمامات المختلفة، أو تدخلات أهل أحد الطرفين، أو هبوط سقف الطموح لدى طرف وارتفاعه لدى الطرف الآخر، أو وجود مؤثر لطرف ثالث مقبول لدى أحد الطرفين، كبديل متوقع للطرف الثاني، أو العجز الجنسي وما يتصل به لدى الزوجين، وأخيراً تأثر أحد الطرفين بنموذج ما بفعل الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.”