ارشيف واعداد عامر بدر حسون – بقلم: فايزة أحمد /
جئت من بيروت الى مصر التي أحبها والتي تخيلتها دائماً لحناً جميلاً لا ينتهي.. وكان أول لقاء لي بالملحنين المصريين مع الملحن الشيخ زكريا أحمد.. التقيت به بعد أسبوع من إقامتي في القاهرة، وكان اللقاء في محل إقامتي بأوتيل “نوتوكريس”، كانت معي أمي وابنتي فريال التي كان عمرها في ذلك الوقت خمس سنوات.. وكان لقاؤنا ليحفِّظني “من نظرة.. توعدني” وهو أول لحن حفظته منه.. أسمعني اللحن بدون عودة في بادئ الأمر، كان يدندنه بصوته بدون العزف على العود، وكان يتحرك ويميل مع دندنته، معبراً عن كل كلمة بقسمات وجهه، الشيء الذي جعل ابنتي فريال تقوم وتقلده، في تلك اللحظة خجلت من تصرفات ابنتي، وقد ظهر ذلك على وجهي، إلا أن الشيخ زكريا احتضن فريال الصغيرة وأخذ يكلمها بتعبيرات وجهه، حتى استطاعت في النهاية أن تحفظ اللحن وتردده وكان سعيداً بذلك.. ومن هذا التصرف لمست فيه البساطة والخفة والحيوية، وعرفت أن الملحن ليس آلة للتحفيظ، وإنما هو إنسان يقنعك بالتعايشس مع اللحن..
بعد ساعات بدأ يحفِّظني اللحن بعزفه على العود، وذلك بعد أن تعايشت مع الكلمات وانفعلت بها.. ثم غنيت له بعد ذلك.. “يا مالكني”.. ثم لحناً دينياً، ولحناً رابعاً.. وكانت ميزة هذه الألحان أنها شرقية صميمة تعتمد على الأداء المدرب..
وقد علمني الشيخ زكرياً أحمد أن أغني “بالقرار”.. وكان يقول لي إنه يرتاح لصوتي وأنا أغني من القرار..
وعلمني أن أضرَّ شيء للمطربة هو الغناء بصوت مستعار، لأن الصوت المستعار لا يستطيع أن يقنع المستمع أو يوصل اليه انفعاله.. وأن على المغني أن يدرب صوته باستمرار لكي يحاول دائماً التغلب على مشاكل الأداء التي تقابله.. وأن المغني “الشاطر” هو الذي يعرف كيف يقنع الجمهور، ليس بطريقة أدائه فقط، وإنما بمدى الانفعال والتعبير الذي يرتسم على وجهه أثناء تأديته اللحن..
ولا شك في أني كنت صغيرة السن في ذلك الوقت فقد استفدت من آرائه.. وأمنيتي أن تذيع الإذاعة هذه الأغنيات التي غنيتها لأنني أعتبرها من التراث. لا لأنني غنيتها، ولكن لأن الذي قام بتلحينها موسيقار عبقري!!