قانون”العفو”..يسمح لمرتكبي جرائم الخطف بالإفلات من العقوبة

 إياد عطية الخالدي/

لم تمض سوى بضعة أسابيع حتى فارقت «إينانا» الحياة من جراء حالة الرعب التي عاشتها وهي بين أيدي خاطفيها، الذين تنقلوا بها من مخبأ إلى آخر وهم يساومون عائلتها على فدية بمبلغ مليون دولار مقابل الإفراج عنها.

خطفت «اينانا» من روضتها في شارع أبو نواس من قبل عصابة مسلحة بمساعدة وتواطؤ سائق السيارة التي تقلها من البيت إلى الروضة وبالعكس، وبدأت المفاوضات مع والدها عصر اليوم نفسه إذ تلقى إتصالاً من الخاطفين، وكان الوالد قد أبلغ الأجهزة الأمنية في بغداد عن إختطاف ابنته، فقدمت الدعم المباشر لإستعادتها.
بعد اتصالات عدة ومفاوضات كان هدفها استدراج الخاطفين، جرى الإتفاق على الموعد المحدد لتسليم الفدية. وفي المساء قاد الخاطفون والدها من منطقة إلى أخرى شمال بغداد، بهدف التضليل والتخلص من أية مراقبة محتملة، حتى وصلوا إلى منطقة مجاورة للخط السريع (محمد القاسم) بالقرب من نادي الصناعة الرياضي، وهناك طلبوا من والد الضحية أن يضع مبلغ الفدية قرب حاوية للنفايات على الشارع العام ومغادرة المكان فوراً، ففعل ذلك لكن قبل أن يستحوذوا على المبلغ داهمهم رجال المخابرات وأمسكوا بواحد منهم لكنه رفض الإستسلام وحاول رشوة ضابط المفرزة مدعياً أن الفدية تعود لأحد الفصائل المسلحة، ولم يعر الضابط اهتماماً لهذه التخرصات فوقع المجرم في قبضة العدالة، في حين فر بقية المرافقين له.

فصل مرعب

في الحال وبعد أن علم الخاطفون، كما يبدو، باعتقال الجاني الأول، وخشية من إعترافه عليهم وعلى مكان الخطف، أطلقوا إينانا، التي أوصلها السائق نفسه مدعياً، أول الأمر، أنه كان مختطفاً معها.

هكذا عاشت اينانا ابنة الخمس سنوات فصلاً مرعباً لم يتحمله قلبها الصغير، العليل أصلاً، وبعد شهرين من عملية الإختطاف فارقت إينانا الحياة في أحد المستشفيات التركية حيث كانت ترقد للعلاج.

المجرم الذي مسك بالجرم المشهود وهو يحمل مبلغ الفدية اطلق سراحه مقابل رشوة وسط دهشة اهل الطفلة المخطوفة وضباط المخابرات الذين قبضوا عليه وبعد مناشدة رئيس مجلس القضاء الاعلى اعيد التحقيق وصدر عليه قرار القاء قبض جديد لكنه كان قد فر من وجه العدالة.

ليست هذه القصة المؤلمة سوى واحدة من قصص عديدة راح ضحيتها أبرياء على يد عصابات مسلحة مجرمة، فيما لايزال المئات ممن تعرضوا للإختطاف وبقوا على قيد الحياة، يدفعون، هم وعائلاتهم، ثمن تلك الساعات والأيام العصيبة، نفسياً وروحياً ومادياً.

والسؤال المشروع هنا هو هل من المنطقي والمعقول، بل والإنساني، أن نكافيء هؤلاء القتلة، بحيث نضمن لهم مغادرة السجون لمجرد أنهم لم يقتلوا ضحاياهم؟ من أين هبطت الرحمة وروح التسامح المريب على قلوب أعضاء مجلس النواب الموقر، الذين وافقوا على تمرير بند في قانون العفو يسمح بذلك؟

العبادي يتساءل

قانون العفو العام الذي صوت عليه مجلس النواب في (25 آب 2016)، متجاهلاً الرفض الشعبي الذي وصفه بأنه هدية لـ»داعش» وعصابات الجريمة المنظمة، فضلا عن مخاوف بدأت تتضح من زيادة العمليات الإجرامية لاسيما الإختطاف الذي يعد جريمة تواجهها كل القوانين بأقسى العقوبات، هذا القانون لايزال موضع أخذ ورد بين مجلس النواب ورئاسة الوزراء التي قدمت تعديلات عليه لاتزال غير مقرة من قبل المجلس.

وقد سبق لرئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أن تساءل بحرقة عن الهدف من وراء إفساح المجال لإطلاق مجرمين لم يسعفهم الوقت لقتل ضحاياهم من المختطفين، وقال في تصريحات علنية تعليقاً على تشريع قانون العفو، من يضمن أن لايعود هؤلاء لممارسة الجريمة من جديد؟

قصص أخرى

وإذا كانت «اينانا» ليست الضحية الوحيدة لمختطفين قضوا بعد مدة من خلاصهم من بين أيدي خاطفيهم، نتيجة نوبات الرعب، فإن الطفل يحيى حسين البالغ من العمر ست سنوات والذي خطف من أمام داره وأمضى عشرة أيام بين أيدي خاطفيه، قبل أن تداهم قوة أمنية مكان الإختطاف وتنقذه، عاد طفل آخر بعدما فقد عقله وذهبت عشرات الزيارات المستمرة للأطباء من دون جدوى لشفائه.

واُحتجز يحيى طوال أيام بلياليها في ظروف مروعة في منزل لم يكتمل بناؤه في أطراف مدينة بغداد، لأن والده لم يتمكن من دفع الفدية البالغة قيمتها 250 ألف دولار، وعندما عاد إلى البيت كان نحيلا ومرهقاً جداً وليس لديه رغبة في اللعب مع أقرانه، وتؤكد والدته «إنه لازال يستيقظ فزعاً بعد أن تداهمه نوبات من الخوف».

قصة الطفلة روان

وبالرغم من عدم وجود إحصائية رسمية تقدر عدد المخطوفين الا أن البلاد كانت تشهد أكثر من حالة إختطاف في اليوم الواحد، ممن جرى نشرها في وسائل الإعلام وسجلتها مراكز الشرطة فيما انتهت عمليات إختطاف أخرى بقبض الخاطفين الفدية أو عدم معرفة الرأي العام بمصير الاف المخطوفين.

بيد أن التعاون مع أجهزة الأمن قد لا يؤدي دائما إلى إنقاذ الضحية، فقد لقيت الطفلة روان صالح التي تبلغ الخمس سنوات من العمر وجرى خطفها من أمام منزلها في الطالبية حتفها، بعد أن أدرك خاطفوها أن أمرهم انفضح وباتوا مطاردين من الشرطة، فقاموا بإلقاء الضحية في نهر دجلة من على جسر الصرافية.

ونجحت مكافحة الإجرام بإلقاء القبض على خاطف وقاتل روان الذي كان ينتحل صفة ضابط في مجلس الوزراء بعد مدة قصيرة.

وحتى المختطفين الذين جرى إنقاذ حياتهم فإن عائلاتهم كانت قد باعت ممتلكاتها كي تتمكن من دفع الفدية مقابل الإفراج عنهم، وهذه العائلات مازالت تعاني من آثار تلك الجريمة نفسياً وإقتصادياً، إذ تعيش عائلة محسن الربيعي في منزل للإيجار بعد أن باعت منزلها، كي تدفع مبلغ الفدية للخاطفين مقابل الإفراج عن أحد أبنائها.

إفلات من العقوبة

وتتيح الفقرة الخامسة من قانون العفو العام الذي أقره البرلمان في 25/8/2016 إفلات الضالعين بجرائم خطف ممن لم يقتل المخطوف على أيديهم من أي عقاب.

إذ يستثنى من أحكام هذا القانون مرتكبوا الجرائم الآتية فقط:

جرائم الخطف التي نشأ عنها موت المخطوف أو مجهولية مصيره أو احداث عاهة مستديمة.

وقد أثار هذا القانون جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والرسمية، وأعلنت كتلة بدر أنها ستطعن بالقانون أمام المحكمة الاتحادية.

وصدرت أقوى الإعتراضات من رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي أكد عزم حكومته «تعديل» قانون العفو العام في فقرتي الإختطاف وجرائم «الإرهاب»مبينا أن «الإختطاف جريمة حية ولا يمكن شمول مرتكبيها بالعفو.

وقررت حكومة العبادي، تجميد العمل بقانون «العفو العام»، بعد شهرين من إقراره وواجه إنتقادات حادة أشعلت فتيل الخلافات بين الأوساط السياسية..

واطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل الإجتماعي، لرفض القانون تحت هاشتاك #‏الشعب_يرفض_قانون_العفو، معبرين عن رفضهم لإخراج المجرمين المحكوم عليهم جنائياً بقضايا تتعلق بالقتل والإرهاب والخطف.

تأثير سلبي

من جهته عد المحامي طارق حرب أن قانون العفو «توسع كثيراً لإطلاق سراح الإرهابيين وإطلاق سراح مرتكبي الجرائم المالية والإدارية والجرائم الأخرى» مؤكدا أن «تأثيره سيكون سلبياً على الواقع العراقي والمجتمع العراقي والامن العراقي فقد أثبتت التجربة، أن من تم إطلاق سراحهم بالعفو عام 2008 عادوا مرة أخرى لإرتكاب الجرائم.
ووفقا لما يقوله حرب فأنه ليست هناك إمكانية للطعن بالقانون، منتقداً نواب التحالف الوطني مشيرا أن عدم تصويتهم سكوت غير مبرر بينما كان يمكن لهم أن يعترضوا، وأن الحكومة أمام خيارين فأما التجميد أو خيار الدفع بمشروع جديد لتعرضه على التصويت يلغي القانون الأول ويعدله.

ويقول حرب أن القانون الذي ارسلته الحكومة يوم 27/12/2016 الى البرلمان لايتضمن العفو عن جريمة الإختطاف، وأن البرلمان هو الذي اجرى تعديلا وأدخلها ضمن جرائم العفو.

ارتفاع وتيرة الخطف

واشر مراقبون إلى ارتفاع في وتيرة جرائم الإختطاف منذ إقرار قانون العفو وما تلاه، ويؤكد الخبير الأمني ناصر الكسار تصاعد وتيرة عمليات الخطف بعد إقرار قانون العفو الذي شمل جرائم الخطف بالعفو العام، ولفت إلى أن بغداد وحدها شهدت خلال المدة التي اعقبت صدور القانون أكثر من عشرين جريمة خطف للأطفال بحسب مصادر في الشرطة العراقية.

وأكد أن عمليات إختطاف الأطفال «ليست إعتباطية لكسب الأموال فحسب، بل تقف وراءها أجندة «هدفها الحصول على الأموال لتمويل أنشطتها، ولقد جرى الكشف مرارا عن وجود تنسيق مابين أفراد مجرمين ومجاميع مسلحة تدعم هذه الجرائم.

ويؤيد علي شبر، عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي، الإتجاه القائل أن بعض جرائم الإختطاف تقف خلفها منظمات إرهابية، ولا يستبعد أيضا وجود أجندات خارجية وراءها..

وتلمح الباحثة الإجتماعية سوسن العبيدي إلى أن إختطاف الأطفال يترافق مع ظاهرة إغتصاب الفتيات الصغيرات لأغراض الإبتزاز والإغتصاب في الوقت نفسه. وأحد الأمثلة على ذلك إختطاف الفتاة هناء الحسيني ( 12 سنة ) من أمام بيتها في الكرادة في بغداد، ليعثر عليها فيما بعد، وقد اغتُصبت وتُركت في العراء..