سارة جيبنز – ترجمة: آلاء فائق عن موقع ناشيونال جيوغرافك /
وجدت دراسة جديدة أن قرود المكاك، مثلنا تماماً، قد تتكيف مع الطقس الشتوي بأخذ الحمامات الدافئة. وهناك سبب يجعل قرود المكاك (وهي قرود من فصيلة سعادين العالم القديم، متوسطة الحجم تعيش في الغابات) تبدو هادئة جداً لدى متابعتها عن قرب أو لدى تصفحك لصورها في الإنترنيت.
هذه القرود تغمر نفسها في الماء المشبع بالبخار حتى خدودها مع تساقط الثلوج على رؤوسها المكسوة بالفراء، وتبدو للناظر إليها حيوانات شبه تأملية.
يشتبه الباحثون دائماً في سبب لجوء قرود المكاك إلى الينابيع الساخنة، فالاعتقاد السائد غالباً هو لحصولها على التدفئة شتاءً، لكن دراسة جديدة نُشرت في مجلة Primates المعنية بتغطية أخبار الرئيسيات، ومنها القرود، أكدت أن قرود المكاك تلوذ بالينابيع الساخنة لتخلص نفسها من الشد والتوتر كذلك!
شمال بارد
من بين جميع الرئيسيات في العالم، تعيش قرود المكاك اليابانية، أو ما تعرف بقرود الثلج، في أقصى شمال اليابان. لعقود من الزمان، لوحظ أنها تستحم في ينابيع (جيغوكوداني) الساخنة، والمعروفة لدى اليابانيين بينابيع (الأونسن) المسخنة بالطاقة الحرارية الأرضية والموجودة تحديداً في مدينة (ناغانو) اليابانية، فلقد أصبح سلوك هذه القردة محبباً جداً للناس لدرجة بات يتردد لرؤيتها آلاف السياح في العالم، الذين غالباً ما يسافرون شمالاً ليتزامن وقت استحمامهم في هذه الينابيع الحارة مع ذروة وقت استحمام هذه القرود.
اليابان بلد العيون الساخنة
بما أن اليابان بلد نشط من الناحية البركانية، فإنها تحتوي على كثير من الينابيع الساخنة. وقد اشتهرت اليابان بوجود أكثر من ألفين وخمسمئة من الينابيع الساخنة أو (الأونسن) في شتى جزرها. وغالباً ما توجد الينابيع الساخنة باليابان في البيئات الطبيعية كشواطئ البحار أو الوديان الضيقة أو بين الجبال.
في المناطق الجبلية في اليابان، وفي الوقت الذي يكون فيه الشتاء قاسياً، تجد قرود المكاك تتسكع في بركة مياه هادئة، غالباً ما تتعرض هذه البركة لتساقط ثلوج كثيف ودرجات حرارة تصل حد الانجماد. المنطقة المحيطة بينابيع أونسن الساخنة هي واحدة من المناطق المعروفة ببرودة أجوائها، إذ تصل درجة حرارتها إلى ما تحت الصفر بدرجاتٍ كبيرة والشتاء فيها أبدي، كما أن ثلوجها دائمة طوال العام وتغطي معظم قمم جبالها وأراضيها.
المكاك وحب الاستحمام
غالباً ما تستحم قرود المكاك في ينابيع أونسن الساخنة في الهواء الطلق، معبرة بوجوهها عن مدى شعورها بالراحة والاسترخاء.
ولمعرفة مدى الفائدة التي حصلت عليها قرود المكاك من العيون الساخنة، تتبعت مجموعة من الباحثين من جامعة كيوتو اليابانية اثنتي عشرة أنثى، ولاحظت سلوكها في موسمين مختلفين؛ موسم ولادتهن، من شهر نيسان حتى حزيران، وموسم الشتاء من شهر تشرين الأول حتى كانون الأول. نظر العلماء إلى القرود التي استحمت كثيراً لمعرفة ما هدفها من إطالة الاستحمام. ثم قاست المجموعة كمية هرمون يسمى الجلوكوكورتيكويد المأخوذ من عينات براز القرود. ويأتي هذا الهرمون الذي يعرف بـ(القشرانيات السكرية) من عائلة هرمونات الستيرويد ويُنتج عندما يتعرض قرد المكاك للإجهاد، وينتجه المكاك غالباً في محاولة للحفاظ على درجة حرارة جسمه في توازن بين الحرارة والبرودة.
العيون الساخنة بيئة لتكاثر المكاك
إن ما يسترعي الانتباه هو استخدام قرود المكاك العيون الساخنة الطبيعية في التدفئة، إذ تلجأ جموعها إليها للاستجمام والوقاية من برودة الريح والجليد حولها، لكن نتائج فريق البحث أكدت أن القرود استخدمت الينابيع الحارة على نحو متكرر في أشهر الشتاء، وقد لوحظ أن الإناث اللائي يتبوأن مكانة اجتماعية أعلى يتمتعن بأخذ حمامات لفترات زمنية أطول، كما رُصد تورطهن في نزاعات مع نظيراتهن.
عندما قاس الباحثون بعد ذلك كمية الجلوكوكورتيكويد عند الإناث اللائي أخذن حمامات لفترات أطول، وجدوا مستويات أقل من هرمون التوتر مقارنة بالإناث اللواتي لم يستحممن على الإطلاق. هذا يعني أن الإناث عانين من إجهاد أقل في محاولة لتنظيم درجة حرارة أجسامهن.
عيون جزر هونشو اليابانية
يعيش قرد المكاك، أو قرد الجليد، في جزر هونشو اليابانية حيث تكثر العيون الساخنة الطبيعية في مناطق يغطيها الجليد في الشتاء. وتبلغ درجة حرارة العيون نحو 40 درجة مئوية في حين يمكن أن تصل درجة حرارة الجو حولها 20 درجة تحت الصفر. أول مرة يلاحظ فيها الناس لجوء هذا النوع من القرود للعيون الساخنة للاستحمام والتدفئة كان في عام 1963، ويعتقد المختصون أن القرود قد تعلمت تلك العادة من الكهنة اليابانيين الذين يستحمون في تلك المياه، ومنذ ذلك التاريخ شوهدت جموع القرود خلال فصل الشتاء في العيون الساخنة، وتحتفظ كل مجموعة منها بما يتوفر قربها من عيون ساخنة وتتعارك مع أي دخيل وغريب وتطرده منها. وقد يصل عديد الواحدة من “قبائل” قرود المكاك إلى 150 عضواً.
العيون الساخنة مكان اجتماعي للمكاك
تشكل العيون الساخنة مكاناً اجتماعياً للمكاك تجتمع فيه ويحتضن بعضهم بعضاً للتدفئة، ويُفلّي بعضهم شعر بعض بحثاً عن الحشرات العالقة بهم، ويعزز ذلك الأمر التقارب والتعاطف بينهم .تهتم القردة الأم بابنها، فهي تحمله أثناء الحمل في بطنها، وبعد ولادته تحمله على ظهرها وتطعمه وتعلمه كيف يعتمد على نفسه حتى يكبر ويصبح عمره ثلاثة أعوام ونصف العام ويغدو بالغاً جنسياً، حينها يكون عليه الانطلاق ومغادرة القبيلة ليبحث لنفسه عن قبيلة أخرى. تختار الأنثى الذكر عند التعشير، وهي تختار عادة الذكر الألفا -أي كبير القرود- وهو الذي يعتني بالقبيلة. وتعيش إناث القرود بعضها مع البعض الآخر قرب العيون ولا يفارقن القبيلة.