#خليك_بالبيت
جبار عبد الله الجويبراوي /
من هي فتنة؟ إنّها الشيخة فتنة الخليفة ابنة عم محمد العريبي باشا (1890ـ 1971م) شيخ قبيلة البو محمد الزبيدية وزوجته، إذ تزوّج لأوّل مرّة سنة 1903 وكعادة أبناء الشيوخ فقد تزوّج عدّة زيجات وهن: (فنر بنت يسر الفيصل شيخ حمولة بيت فيصل من البو محمد، وسعدة بنت موسى شيخ عشيرة السواعد بيت زامل، وعنيدة بنت غاجي من حمولة بيت غضب من البو محمد، وموحة بنت فالح الصيهود، وهي ابنة خاله، وفتنة الخليفة وهي ابنة عمه)، وكانت من أعزّ نسائه وأكثرهن تأثيراً عليه. وقد رافقته في معظم سفراته إلى حجّ بيت الله الحرام وزيارة أضرحة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وغيرها.
الملك فيصل الثاني والعريبي
لم يكن محمد العريبي ـ إذن ـ شيخاً اعتيادياً كبقية شيوخ المنطقة والمناطق الأخرى، فقد ذاع صيته بين العشائر، وأصبح على علاقة وثيقة بكبار الساسة والوزراء، وكانت داره قد شهدت زيارة الملك فيصل الثاني لها سنة 1953، حين قام بجولته المعروفة في مناطق جنوب العراق وارتبط كذلك بعلاقة وطيدة بنوري سعيد، حتى زالت الكلفة بينهما حسب رواية عبد الرزاق الحسني.
أصبحت له أيضا علاقات مع أبرز شخصيات العهد الملكي، منهم ياسين الهاشمي وصالح جبر وتوفيق السويدي وعلي ممتاز الدفتري وضياء جعفر وعبد القادر باشا عيان ومصطفى العمري وماجد مصطفى وآخرين، كما ارتبطت زوجته المفضّلة فتنة بعلاقات مماثلة مع زوجات رؤساء الوزراء وكبار المسؤولين، وكثيرا ما كانت تصطحب تلك النساء في العطلة الربيعية إلى أهوار العمارة، وفي العطلة الصيفية إلى مصايف بيروت، وبرفقتها الخدم والعبيد، ولها اليد الطولى في إدارة المقاطعة في حالة غياب الشيخ محمد العريبي.
فتنة وإقالة الوزير
ولا أكتمكم سراً إذا قلت إنها أسهمت مع شيوخ العمارة في إقالة وزير المالية عبد الكريم الازري عندما حاول عرض قانون منح اللزمة، الذي يُمنح بموجبه الفلاحون قسما من أراضي الشيوخ.
وبحكم موقع الشيخ محمد ونفوذه دخل مجلسي النواب والأعيان في دورات عدة من دوراتهما الانتخابية في العهد الملكي من (1 تشرين ثاني 1930) إلى (10 أيار 1958ـ ثورة 14 تموز 1958).
لم يكن محمد العريبي شيخاً فقط أو رجلاً ساعدته ظروف المشيخة، أن يمتلك أراضيَ واسعة، فقد وضعته تلك الظروف لأنْ يكون في مقدمة شيوخ العراق.
مهندس بريطاني لبناء القصر
كان الموقع الاجتماعي الوجاهي البارز للشيخ يتطلّب أن يحيط نفسه بسكن مميّز، فشيّـد له قصراً كبيراً جدَّاً سنة 1947 في العمارة، ويقال إنّ خارطته رسمها مهندس بريطاني، وأشرف على تنفيذه أشخاص عديدون، منهم المعمار إسطة زبالة والتاجران الحاج صيهود المحسن والحاج سوزة، تكوّن القصر من ثلاثة طوابق وضم (45) غرفة إضافة إلى الصالات والأروقة والسراديب وبلغت مساحته (3000) متر مربع تقريبا وانتهى العمل به سنة 1947، كانت له دارٌ في بغداد في محلة البتاوين مسجّلة باسم سعد، أصغر أبنائه، وهي التي دخلت التاريخ، كما يقال، لأنّها الدار التي حاول رئيس الوزراء نوري سعيد دخولها في صبيحة 14 تموز 1958.
وشيّد الشيخ عدداً من البيوت الملحقة بقصر “فتنة” لسكنى الخدم والعبيد لتقديم الخدمة للضيوف. والقصر يطل على شارع دجلة قبالة جسر الأمير غازي، وهو محاط بسياج من النباتات المتسلّقة، وتزيّنه عشرات الأشجار المثمرة التي كنّا نشاهد ثمارها تملأ الشارع، بينما يحاط القصر من الخلف بحديقة كبيرة تحتضنها الزهور ذوات الروائح العطرة التي تقبع تحت مسرح شيّد على الطراز الروماني في الطابق الأوّل من القصر الذي يسرّ الناظرين إليه، من الداخل الأبواب المزخرفة والشبابيك المزججة بالألوان الزاهية، والثريات الفضية التي تتأرجح بهدوء كلّما لامستها رياح المراوح الكهربائية التي جلبت خصيصاً من المملكة المتحدة.
السجّاد الكاشاني
لا يمكن نسيان أفضل السجّاد الكاشاني الذي حاكته أكبر المعامل في إيران وكانت أطوالها حسب المقاسات لتلك المساحات لا سيما القاعات التي خُصّصتْ لشخصيات عراقية وساسة إنكليز، ولشيوخ وأمراء الدول المجاورة، في مواسم صيد الغزلان في منطقتي الجزيرة والطيب شرقي مدينة العمارة.
آلت ملكية القصر إلى نقابة المعلمين في أواسط الستينيات، وفي أيام الانتفاضة الشعبانية عام 1991 سرق أثاثه، وحرقت الملفات فيه، وهي التي أعطت المبرر لبيع طابوقه إلى بعض الأشخاص، وكان من المفترض تصليحه إلا أنّ أطماع المسؤولين حالت دون ذلك، وبذلك فقدنا واحداً من أبرز الأماكن التراثية في مدينة العمارة .
النسخة الألكترونية من العدد 361
“أون لآين -4-”