ملاذ الأمين – تصوير: علي الغرباوي /
أخذ اسمه من نهر دجلة، لأنه يرافق النهر على جانبه الشرقي حين دخوله مدينة بغداد، ويبدأ من سوق القماش نهاية جسر الشهداء من جهة الرصافة، وينتهي عند جسر الأحرار. وكان الميناء التجاري الذي يقع في بداية شارع النهر، ويطلق عليه (خان التمر)، يستقبل ويرسل أنواع السلع والبضائع لتجار بغداد. هذا الخان عبارة عن بناية كبيرة بنيت في بداية القرن الماضي، مساحتها تزيد على الألف متر مربع، تتكون من طابقين، فيهما كانت تخزن البضائع قبل تصديرها إلى الموصل أو البصرة، أو لاستقبال البضائع المقبلة إلى بغداد، كان (خان التمر)يستخدم كمخزن للمواد الغذائية مثل الحبوب والفواكه والخضراوات، أو المواد الإنشائية كالحديد والخشب وغيرها، كذلك كان يخزن في الخان التمر الوارد من البصرة والعمارة تمهيداً لبيعه إلى تجار بغداد، أو إرساله مرة أخرى إلى مدن شمال العراق وتركيا عن طريق مجرى نهر دجلة صعوداً، أو بالطريق البري باستخدام الجمال والحمير.
ارتبط شارع النهر بتجار الجملة، الذين أسسوا الخانات وارتبطوا بعلاقات مع تجار المفرد في بغداد والمدن القريبة منها، ولا تزال هناك بعض الخانات في موقعها، مثل خان المدلل، وخان الأمين، وخان دلّة، وخان الباجه جي، وخان الخضيري، وخان النملة، وخان النبكة، لكن غالبيتها تحولت إلى محال تجارية لبيع الملابس أو معامل للخياطة.
مطمح الفتيات
عند التوجه من جسر الأحرار نحو شارع النهر تنعكس على الوجوه أضواء المصوغات الذهبية المعلقة في معارض الصاغة، إذ أن هناك عشرات المحال التي يمتهن أصحابها صياغة وبيع الذهب والفضة، وكانت هذه المحال تشكل المحطة الأولى للمتزوجين الجدد، حيث يجري شراء (نيشان الخطوبة)، وهدايا الأعراس، وكانت زيارة هذه المحال مطمح كل الفتيات البغداديات.
يقول الصائغ (باسم المولى) إن “محله أسس عام 1950، وأنه ورثه عن أبيه وجده.” مشيراً إلى أن “تلك المحال كانت عبارة عن (بسطيات) تفرش على الأرض لعرض المصوغات في معرض زجاجي، وفي نفس الوقت كان الصائغ يمارس عمله في تصليح وصياغة الحلي الذهبية.”
أضاف المولى أن “المحال أصبحت بشكلها الحضاري في نهاية ستينيات القرن الماضي، عندما جرى تبليط شارع النهر، إذ فرضت أمانة بغداد آنذاك عقوبة على من يعرض بضاعته في الشارع تتمثل بغرامة مالية.” مبيناً أن “الشارع ضيق وليس فيه رصيف، لأنه أسس في زمن العباسيين، وكان في وقتها يكفي لمرور العربات التي تجرها الخيول، وكذلك الراجلين من الزبائن.”
وأكمل المولى أن “الصياغة كانت حرفة يتقنها الصاغة العراقيون من اليهود والصابئة، إذ كانت عملية نحت وصب القوالب تجري في تلك المحال، غير أن هذه المهنة اندثرت بعد شيوع المصوغات الجاهزة والمستوردة من الهند وغيرها من الدول.”
أكثر أصحاب محال الذهب اشتكوا قلة الإقبال على محالهم، وأرجعوا أسباب ذلك إلى صعوبة وصول الزبائن إلى شارع النهر، بالإضافة الى انتشار محال الصاغة في أحياء بغداد الواسعة، إلى جانب عدم استقرار أسعار الذهب في الأسواق العالمية.
أسطوات الملابس
تتوزع محال الملابس النسائية والرجالية والولادية والبنّاتية على جوانبي شارع النهر، وفي الأزقة المتفرعة منه، وهذه المحال منها ما هو متخصص ببيع الجملة، وأخرى للمفرد، إذ تعد هذه المحال سوقاً أساسيا لمعظم أسواق محال الملابس في البلاد.
(أبو سامر)، متخصص بتجارة الملابس، أوضح أن “غالبية البضاعة نستوردها من تركيا أو جنوب شرق آسيا، لأنها مناسبة من ناحية الأسعار والقياسات، كما أن لدينا معروضات قليلة من المنتجات المحلية التي تعود إلى معامل الخياطة الخاصة، إلا أنها محدودة جداً.”
وبيّن أن “المنتجات العراقية، رغم جودتها، إلا أن الطلب عليها ضعيف، لأن الزبون يرغب دائماً بالموديلات الحديثة والأسعار المناسبة.” كاشفاً عن وجود محال متخصصة للخياطة وحسب رغبة الزبون، وأن روادها من الطبقة الراقية التي تهتم بالتميز في المظهر دون الاهتمام بالتكلفة العالية.
وتابع أبو سامر أن “في السوق أسطوات (أساتذة) الخياطة، وهم قدماء في مهنتهم، حين كان الوزراء وأبناء الطبقة الراقية يتزاحمون على محالهم، ولاسيما في المناسبات الرسمية والدينية والأعياد.”
معامل الخياطة
كذلك يشتهر شارع النهر بوجود معامل خياطة الملابس النسائية والرجالية، ولكل معمل تخصص معين، فمنهم متخصص بالقمصان الرجالية وآخر بـ (الدشاديش) الرجالية والنسائية، ومعامل متخصصة بالحياكة والبدلات النسائية، ولاسيما بدلات الأعراس.
الأسطة (هيثم جواد) متخصص بخياطة بدلات الأعراس، تحدث لنا قائلاً: “لم يعد الإقبال على خياطة بدلات الأعراس كما كان في السابق، حين كان شارع النهر قبلة لجميع عرائس بغداد والمحافظات القريبة، وكان فيه أسطوات من الرجال والنساء يعملون نهاراً وليلاً لسد الطلب المتزايد على البدلات، غير أن الأمر اختلف منذ أكثر من عشر سنوات، بعد أن انتشرت المحال المتخصصة في أحياء المنصور والبياع والدورة والأعظمية والشعب، وكذلك في المدن القريبة من بغداد.”
واضاف أن “أصحاب معامل الخياطة حالياً يتابعون ما يستحدث من موديلات جديدة في أوروبا وأميركا وشرق آسيا لخياطة أزياء مماثلة مناسبة للمجتمع العراقي، مع اختيار الألوان التي تجذب الزبائن.” مشيراً إلى أن “أسعار البدلات يحددها نوع القماش والموديل وزيادة الطلب عليها.”