رئيس التحريرنرمين المفتي /
طالب متظاهرو التحرير لأسابيع امتدت اكثر من سنتين بقانون جديد للانتخابات العامة وبمفوضية عليا للانتخابات مستقلة فعلا، لكن النواب اصروا على القانون وهم من انتخبوا أعضاء المفوضية المرشحين من الكتل الرئيسة في مجلس النواب. ومع صدور النتائج، فجأة اكتشف النواب ان القانون ظالم ولابد من تغييره ومعاقبة المفوضية! وحاولوا إلغاء الانتخابات..
وبعيدا عما جرى في كركوك، على الكتل والاحزاب ان تقرأ ما حدث، وان تراجع أسباب عزوف اكثر من نصف الناخبين عن تسلم بطاقاتهم الانتخابية وهذا ما اكدته المفوضية، ومقاطعة نسبة ملموسة من الذين تسلموا البطاقات المشاركة في التصويت.. لم يجد الشعب الذي حولوه باصرار الى مكونات ان يعاقب من تسبب بابتكار مختلف الظروف التي جعلت الحياة صعبة وموجعة، سوى مقاطعة الانتخابات بينما اختارت نسبة كبيرة من المشاركين في التصويت التغيير. هناك وجوه مكررة، لكن البرامج التي طرحتها أظهرت بعض التغيير الذي يتمنونه وقد يكون حقيقة، او لابد ان يكون حقيقة لان درس الانتخابات كان قاسيا جدا.
بالنسبة لكركوك التي كانت وستستمر اساساً لقضايا معقدة اخرى في العراق، فان اللاعبين السياسيين بها أخطأوا في قراءة الواقع العراقي عامة واقصد ان الناخبين في كركوك لا يختلفون عن باقي العراقيين الذين عانوا الامرين خلال الـ ١٥سنة الماضية من جهة ومن جهة اخرى، اصرت الكتل فيها العزف على العاطفة والتخندق أثنيا، بينما ما حدث في كركوك منذ تشرين الاول الماضي كان يستدعي الابتعاد عن العواطف ومحاولة الفوز باسم القومية والمشاركة بكتلة قوية وعابرة للقوميات لمواجهة المرحلة الجديدة، في السياسة والمحافظة على المكتسبات لا توجد عاطفة، انما استراتيجية ومعرفة أصول اللعب تماما والفوز ومن ثم البدء مرة اخرى بأنحاز الأهداف، وان كانت من بينها قومية ولكن ضمن العراق الواحد الموحد والقوي.
مهما تكن الاّراء مع او ضد الانتخابات والنتائج، لابد من القول ان هناك طرفاً ما اصر على نشر الاشاعات على منصة الفيسبوك بشأن تدخلات خارجية اصرت على (منح) أصوات لسياسيين كانت خسارتهم مدوية ولكن النتائج اثبتت انها لم تكن سوى شائعات، وهذا درس سيساعد في رفع مستوى الوعي لدى النشطاء والمدونين.
بنظرة هادئة الى النتائج، نلمس ان وعي الناخب في هذه الانتخابات كان واضحا واختار الانحياز الى حياته وحاضر العراق ومستقبله وحافظ على النصر الذي حققته دماء الشباب والذي أكد ان العراق القوي بقراره يشكل رقما صعبا في المعادلة الدولية.
فور اعلان النتائج، بدأت الكتل التي فازت بالعدد الأكبر من المقاعد، الحديث عن حكومة قادمة وطنية وعابرة للطائفية، تعمل على رفاهية الشعب، ولتحقيق هذه الرفاهية لابد من معارضة في مجلس النواب، معارضة لا تضع العصا في العجلة امام الحكومة، انما تعمل كرقيب للاداء الحكومي وتحاسبها حين تتلكأ في تنفيذ وعودها، معارضة لا تعمل لاجل مصالح شخصية او كتلوية، انما لاجل مصالح الشعب والناخبين خاصة ان مصلحة العراق العليا. كانت في ١٥سنة الماضية درسا كافيا للبدء بمرحلة جديدة يكون هدفها العراق والشعب و المحافظة على التنوع العراقي، فالتنوع يشكل عنصر قوة بينما مصطلح (المكونات) يبدو أنه تقسيماً للعراقيين ودفع كل مكون للعمل لنفسه حتى ان كان هذا العمل يضر بمصالح الاخرين و ربما بمصلحة البلد. والمطلوب من مجلس النواب القادم ان يكون بحجم الناخب الذي قرر، وبحجم وعود وضعتها الكتل في برامجها و العمل على تحقيقها وان يعمل على تعديل الدستور رغم آليات التعديل الصعبة التي تجعل من التعديل يبدو مستحيلا، وقطعا العمل على قانون انتخابات عادل لجميع الكتل الكبيرة والصغيرة وتمرير القوانين المهمة التي تم تأجيلها منذ الدورة الاولى لمجلس النواب. وعلى الحكومة القادمة العمل باتجاه الاصلاح والقضاء على الفساد الاداري والمالي والالتفات الى الشباب العاطل عن العمل من خلال اعادة تشغيل المصانع وإستصلاح الاراضي والصحراء والاستفادة من موارد السياحة الدينية والآثارية والبدء بإعمار حقيقي، إعمار التربية والتعليم والمناهج ايضا، ليست الأبنية فقط.
عمل كبير ينتظر الحكومة القادمة.
وكل انتخابات و العراق أقوى.