عبد الجبار خلف/
قبل رحيله عن الدنيا بأشهر، كنت كثيراً ما أجلس مع الفنان كنعان وصفي (1932- 2000 )، في كافتريا السينما والمسرح ببناية مسرح الرشيد، وكانت غمامات الحزن تلوح على ملامح وجهه، لم أجرؤ أن أسأله عن يوم من عمره له مكانة في نفسه لكن الغريب في ذلك كأنه فطن إلى حاجتي منه، قال: اليوم الذي لا أنساه هو اليوم الذي رحلت فيه زوجتي (أم كريم) عام 1992 وتركتني وحيداً فكنت لا أعرف ما أفعل بعدها ولا أعرف كيف أعيش حياتي من دونها، فلم أجد إلا أن أعلق صورها على جدران شقتي لأراها أينما التفت، ولتهلّ دموعي مدراراً كلما نظرت إلى وجهها وكلما عاينت الأمكنة التي كانت تضمنا معاً.
وأضاف: بعد وفاتها لم أعرف طعم النوم حتى كنت أظن أن حبي بهذه المرأة قاتلي.
كان يحدثني عن هذا الحب، وأشعر أن عينيه اغرورقتا بالدموع وصارت الكلمات في فمه تستجدي الرطوبة، فقد نشف ريقه، ثم اشاح بوجهه بعيداً، كنت أتأمله وأمد يدي إلى يده المعروقة معزياً، ولكن النيران الملتهبة في صدره تمد ألسنتها إلى وجهه.
زوجته مصرية، تزوجها عام 1963 في مصر، له منها ثلاثة أبناء هم: كريم وناغين وسالين.
قال لي بعد دقائق من الصمت الذي خيم على جلستنا: هذه المرأة فعلت معي ما لم تفعله امرأة مع رجل، كانت لا تأكل قبل أن آكل من يديها ولا تشرب قبل أن أشرب ولا تنام قبل أن أنام، كانت تهدهدني مثل طفل، ولا أذكر أنها نامت قبلي، كانت (تطقطق) لي حتى أصابعي، هذا بعض من حبها لي، أنها امرأتي التي أحببتها حتى النخاع كما يقولون.
وتابع: يوم رحيلها عن الدنيا كان اليوم الأصعب في حياتي الذي انفجرت فيه ينابيع الدمع من عينيّ وصارت انهاراً، ففارقت النوم وضعف قلبي ووهن جسدي وكنت أشعر أنني مفارق الحياة.
أتيحت لي الفرصة أن ألتقي ابنته الإعلامية ناغين فحدثتني عنه حين سألتها قائلة: كان أبي يراني بصورة أمي التي رحلت عام 1992، وكانت علاقته بأمي ذات خصوصية دامت لأكثر من ثلاثين سنة لاسيما ونحن لم نمتلك علاقات اجتماعية واسعة، وكانت وفاتها قاسية عليه، كنت أشعره الأكثر وجعا بيننا.
وأضافت: ولأنني أحمل ملامح من أمي فقد كان يناديني باسم الدلع الذي يناديها به، ثم يقول لي: أنا اف، وتمتلىء عيناه بالدموع.