باسم عبد الحميد حمودي /
في الثالث عشر من مايس 2020 خسر عالم الدراسات المندائية في العالم واحداً من كبار علمائه وهو الاستاذ الد كتور كورت رودولف المولود في درسدن – المانيا في 23 نيسان 1929.
المصبتا – المياه
وتعد الديانة المندائية الذي نطلق شعبيا على أفرادها تسمية (الصبة–الصابئة) أقدم الديانات العراقية التي سبقت الاسلام، وقد اعتمدت ضمن طقوسها الإيمانية استخدام المياه الجارية للتطهير والنظافة في كل حين.. لا سيما في الأعراس والمناسبات الاجتماعية والأعياد.
حكاية كرسوع الصبّي
بدأت منطقة الخميسية بالجفاف بين 1860 – 1865 فأمر العثمانيون الضابط صالح ببناء قرية جديدة تحولت إلى قضاء قلعة صالح في محافظة ميسان وقد جلب صالح لها بعض يهود العزير وجماعة كرسوع الصبي وبعض النجادة من الخميسية القديمة لتتكون هذه القلعة.
إنَّ وجود كرسوع الصبي وجماعته في منطقة المعيبر قرب مياه النهر ضمن لسكان المنطقة الجديدة حياة باذخة في صناعة القوارب والزراعة والطقوس الغنائية التي اشتهر بها الصابئة وهم رخيمو الصوت، حسنو الأداء للأبوذيات والألحان الشعبية وينسب لهم طور الصبي احد الاطوار الغنائية المهمة.
الزوارق – صناعة الفضة
ومثلما اشتهر الصابئة المندائيون في جنوب العراق ووسطه باحتراف تنقية الفضة وصياغتها في أشكال جميلة؛ احترف الفقراء منهم في أرض ميسان وعلى دجلة وفروعها صناعة الزوارق للصيادين.
يتطلب صنع الزورق أياماً، يقضيها الصانع المندائي وهو يستخدم إزميله وأدواته الاخرى، ليستقيم له جسد القارب عند الماء وهو يطلق بصوته الدافئ نغمات السويحلي وهو يعمل.
الأداء النغمي للتراث الديني
ومثلما اشتهر المندائيون بجمال الصوت كان أداؤهم الجهري لصلواتهم مبعث اهتمام الكثير من الباحثين الاجانب الذي اهتموا بالعادات والتقاليد المندائية وباللغة الدينية الخاصة بهم والمدونة بالسريانية القديمة في كتبهم المتعددة وكان من هؤلاء العالم الالماني كورت رودولف الذي كتب عن المندائية عدة دراسات بالالمانية والانكليزية بعد أن اتقن لغتهم.
النشوء والخلق
من كتب الدكتور كورت رودولف بالأنكليزية (الغنوصية صفة وتاريخ -1987 بالانكليزية) و(المندائيون) بجزأين عامي 1960-1961 بالألمانية ثم ترجم إلى الإنكليزية عام 1978.
من أهم كتب العالم الراحل كتابه (النشوء والخلق في النصوص المندائية) الذي قام بترجمته الباحث العراقي د.صبيح مدلول السهيري، الذي أشار في المقدمة إلى أهمية هذه الدراسة وقام بالترجمة بطريقة فريدة تماما.
قام السهيري أولا بإعادة تدوين النصوص المندائية التي ترجمها رودولف إلى الألمانية إلى العربية مثل أجزاء من كتاب يحيى والترانيم والأفكار، ثم تعاون مع مجموعة من الأساتذة العراقيين المختصين بالأديان واللغات ساعدوه في الشرح والتعليق على نص رودولف والنصوص المندائية وفي مقدمتهم: د.خالد اسماعيل علي وهيثم مهدي سعيد ود. يوسف قوزي ود.أنيس زهرون، وتراجم نعيم بدوي المخطوطة ونصوص كتاب يحيى وغيره من النصوص التي تضمنها كتاب رودولوف مع إضافات السهيري والنخبة العراقية الرائدة التي تعاونت معه لإنتاج الطبعة العربية من هذا الكتاب الذي يؤكد عراقية هذا الدين الموحد وقدمه.
كتابات سابقة
قام مؤلفون آخرون بتتبع آثار الديانة المندائية وتطورها من المستشرقين إضافة إلى اهتمامهم بالديانات والمعتقدات الشرقية ومن هؤلاء بيترمان وبراندت ونولدكة والليدي دراور وسواهم، إضافة إلى دراسات العرب المسلمين مثل ابن النديم والجهشياري والمسعودي ومن المحدثين: خزعل الماجدي ورشدي عليان وعبد الرزاق الحسني وغيرهم.
طبقات رجال الدين
لا يحقّ للمندائي الزواج الا بحضور رجل الدين وكذلك عند الارتماس بالماء والتطهير في الأعياد المرسمة دينيا، ويشرف على كل ذلك رجال دين مختصون منهم: الحلالي وهو الذي يشرف على سنن الذبح للأنعام ثم الترميذة وهو الذي يقوم بإجراء عقود الزواج وسط الماء، ثم الأبيسق وهو الترميذة المسؤول عن عقود زواج الأرامل، ثم الكنزا ربا وهو رجل الدين الأعلى المشرف على الطقوس، أما الدرجة الدينية العليا فهي درجة الريش – نامة وهو الرئيس الديني العام للديانة وهو اليوم الدكتور ستار جبار الحلو.