لماذا يرتدي اليابانيون الكمامات؟

#خليك_بالبيت

ترجمة: آلاء فائق – كورنوليوس بانثهان /

المسافرون الذين حطّوا رحالهم في طوكيو قبل تفشي جائحة كورونا ومشوا في شوارعها أو استقلّوا مواصلاتها العامة، سيلفت انتباهم الكثير من اليابانيين الذين يضعون الأقنعة الطبية (الكمامات) على وجوههم، قد يعتقد البعض أن الإنفلونزا هي السبب في البداية، لكن مع مرور الوقت خلال زيارتهم لطوكيو، ورؤيتهم للمزيد من الناس يضعون الأقنعة على وجوههم، قد يتساءلون لماذا هذه الأقنعة؟ وهل يعقل أن نصف اليابانيين مصابون بالإنفلونزا خلال تلك الأيام؟
الإجابة عن هذا التساؤل قد تقودك لمعرفة الكثير عن اليابان، تاريخها، ومواسمها، وحتى عادات الناس وكيف تتعامل معهم؟.
تأريخياً
تاريخياً، اعتاد اليابانيون على ارتداء الكمامات قبل تفشي جائحة كورونا بمدة طويلة. فقد بدؤوا تحديداً بلبس الأقنعة الطبية في العام 1918 مع انتشار ما عرف وقتها بجائحة 1918 أو الإنفلونزا الإسبانية، التي انتشرت في أوروبا والعالم وقتلت من الناس أكثر ممن قتل في الحرب العالمية الأولى.
بالنسبة للغربيين، يمكنهم تخيَّل صور المواطنين اليابانيين الذين ينتظرون وصول القطارات وهم بكامل أناقتهم وطوال الوقت يرتدون كمامات بيضاء تغطي نصف وجوههم.
يقول كاتب المقال: “كثيرا ما طرحت هذه التساؤل بداخلي عندما سافرت لليابان وانتقلت للعيش في طوكيو لأول مرة – الجواب – مع ذلك، كان صورة أكبر مما كنت أتصور.
لم يقتصر الأمر على موسم الإنفلونزا تحديداً ولا مخاوف الناس من الإصابة بنزلات البرد الحادة، فقد أصبحت الكمامات جزءاً منتظماً من طبيعة المجتمع الياباني، ولقد تطوّرت لتحمل تعريفًا أوسع، البعض من هذه الكمامات ليس له أي علاقة بالأسباب الصحية على الإطلاق. لماذا إذن يوجد الكثير من الكمامات في اليابان؟ هل ارتداؤها يساعد حقاً؟ دعونا نلقي نظرة على سبب أهميتها.
عدة أسباب وراء ارتداء اليابانيين للكمامات منها:
زلزال كانتو
بعد الإنفلونزا الإسبانية بسنوات، وتحديداً في العام 1923 ضرب زلزال كانتو اليابان، وتسبّب بتهديم نحو 600 ألف منزل في معظم أرجاء البلاد، وكان للدمار الذي خلّفه الزلزال سبب كبير في تلوث سماء اليابان، فلجأ أهلها للبس الأقنعة مجدداً.
الثورة الصناعية
بعد ذلك نشط استخدام الأقنعة مجدداً في العام 1950 بالتزامن مع الثورة الصناعية في اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تلك الثورة خلّفت تلوّثاً كبيراً جعل من لبس الأقنعة مسألة طبيعية لدى اليابانيين.
وفي تاريخ اليابان الحديث، ارتفع استخدام الكمامات الطبية ثلاثة أضعاف بسبب المخاوف من الإنفلونزا التي تفشّت في العام 2009، والقلق بخصوص الانبعاثات النووية بعد زلزال 2011، وفي العام 2013 بلغ حجم سوق الأقنعة في اليابان أكثر من 200 مليون دولار، بينما وصل متوسط سعر القناع 50 سنتا، ما يعني أن اليابانيين استهلكوا ما مقداره 400 مليون قناع طبي في العام 2013.
الصحة
أولا وقبل كل شيء الصحة إنّ أحد أكبر العوامل التي تدعو اليابانيين لارتداء الكمامات هو ليس قلقهم المتزايد للحفاظ على أنفسهم من خلال الاعتقاد أنّ كل شخص يجلس بقربهم أو يقف أمامهم هو مريض.
ففي كثير من الأحيان، يكون منع الجراثيم أو المرض من الانتشار بالأماكن العامة؛ هو من المسائل الحرجة في مدن اليابان المكتظة بالسكان كثيراً. فاعتباراً من العام 2015، بلغ عدد سكان طوكيو 9.273 ملايين نسمة.
فلو نظرنا لطوكيو كمدينة واحدة، ولو أردنا أن نضعها في نصابها الصحيح، فتجد أن مساحة دولة اليابان مقاربة لمساحة ولاية كاليفورنيا. صحيح أنَّها في واقع الحال أصغر قليلاً، لكن بعدد سكانها الذي يبلغ 89 مليون نسمة؛ فهي تضاهي كاليفورنيا بعدد السكان، وكاليفورنيا هي (أكثر الولايات الأميركية سكانا وثالثها مساحة).
مع هذا العدد الكبير من الناس المحصور بهذه المنطقة الصغيرة، يكون خطر تفشي العدوى والإصابة بالأمراض أعلى بكثير من منطقة أخرى.
يتمّ تعليم اليابانيين على أهمية الوقاية من الأمراض وهم بسنّ مبكرة جداً.
يقول الكاتب كورنوليوس بانثهان إنّه عندما كان يعمل في نظام المدارس العامة، كانت إدارات المدارس تضع الكثير من الإرشادات التوعوية الصحية على الجدران وعلى لوحات الإعلانات كالملصقات التي تدعو الطلبة لضرورة النظافة الشخصية، تم إجبار الطلاب على ارتداء الكمامات عند مشاركتهم في تقديم الغداء لأقرانهم، وكان من الجيد دائماً ارتداء الكمامة في أي وقت إذا شعروا أنّهم قد يكونون مرضى.

الغبار الموسمي وحبوب اللقاح
بصرف النظرعن الأمراض، تعدّ الكمامات دفاعاً جيداً ضد الغبار وحبوب اللقاح، لا سيما في فصل الربيع.
فمع حلول الربيع، يحل موسم زهرة الساكورا، ويمثّل واحداً من أجمل الاحتفالات السنوية في اليابان، ومع تفتح الساكورا، تنتقل بذورها في الجو، الأمر الذي يسبّب الحساسية للكثير من اليابانيين، فيلجأ الكثير منهم للبس الأقنعة لتفادي الحساسية في موسم الربيع تحديداً.
إذ تقوم الكمامات بتصفية جزء كبير من جزيئات حبوب اللقاح، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الجسيمات كبيرة إلى حد ما، والكمامات مهمة بشكل خاص لأولئك الذين يعانون من الربو أو حساسية حبوب اللقاح.
للحماية من التلوث الصناعي
الكثير من الجسيمات موجودة في الهواء ومنها جسيمات 2.5 ، أو PM 2.5 ، وهي الغبار الذي يسبب التلوث. جسيمات بحجم 2.5 ميكرومتر تكون صغيرة بما يكفي لتدخل جسمك وتسبب ضعف وظائف الرئة والقلب والربو وجميع أنواع المضاعفات الأخرى، جسيمات هذا النوع من الغبار تأتي من التصنيع: الفحم، عادمات السيارات والمركبات، العمليات الكيميائية، باستخدام الكمامة المناسبة يمكن ترشيح غالبية PM 2.5 بأمان.
عندما يرتفع معدلها بالهواء تعمل برامج الأخبار الصباحية اليابانية على التحذير منها، بالطلب من الجميع ارتداء الكمامات في تلك الأيام الخطرة بشكل خاص.
لستر عيوب الوجه
هناك أسباب أبسط كذلك يرتدي بعض اليابانيين الكمامات لإخفاء العيوب الجسدية، أو في الأيام التي لا ترغب فيها النساء باستخدام المكياج، كما تغطّي الكمامات الحالات التي يصعب إخفاؤها كالبثور أو الحبوب أو الندوب، إنّه حل سريع وسهل عندما تريد فقط تغطية نفسك طوال اليوم.
الموضة
قد يبدو الأمر غامضاً بعض الشيء للغربيين، لكن الكمامات دخلت عالم الموضة وأصبحت جزءاً رئيساً من العالم الياباني، ففي استطلاع للرأي أجراه موقع الأخبار الياباني News Post Seven مؤخراً وشمل 100 شخص في طوكيو، توصل إلى أن 30 بالمئة من اليابانيين يرتدون الكمامات لأسباب لا علاقة لها أساساً بالمرض.
كان يُنظر إلى الكمامات الحديثة في الأصل على أنّها محرجة ولا يمكن ارتداؤها إلا عند الضرورة القصوى، وقد تم تصميمها الآن بمجموعة متنوعة من الألوان والأشكال لتناسب اتجاهات الموضة، الأقنعة ثلاثية الأبعاد 3-D masks، التي تبرز جمالية الوجه وتتوافق مع زوايا الوجه هي عملية وممتعة من الناحية الجمالية.
هذا لا يعني أنّ الكمامات البيضاء الأصلية لم تعد مطلوبة، لكنّك ستجد الكثير من الأنواع الأخرى بالإضافة إلى ذلك، هناك الكمامات الوردية لثقافة فتاة لوليتا الخاصة، والأقنعة السوداء المرصّعة لمحبي الأحجار الثمينة، وأقنعة مطبوعة برسومات الأنيمي (قصص مصورة يابانية)، والقائمة تطول.
يقول الكثيرون إنّ الكمامة تمنحهم مظهراً غامضاً، ويلفت الانتباه اليهم أثناء سيرهم في الشوارع المزدحمة، يقول آخرون إنّه يخفي أفواههم، وهذا أمر جيد بالنسبة لهم مهما كان الأمر، فإنّ المزيد والمزيد من الشباب باتوا يستخدمون الكمامات لأسباب الموضة اليومية. تعال وتجوّل في المدن اليابانية وسترى بنفسك!
القلق الاجتماعي
من الناحية الشخصية، يرتدي بعض اليابانيين الكمامات كوسيلة لعزل أنفسهم عن المجتمع ولأنّ الكمامة ثقافة محفوظة، فالأغلب يدرك تماماً أحكام الآخرين، كما يرتدي الخجولون والذين يفتقرون لاحترام الذات أحياناً كمامات للاختباء من العالم الصاخب.
فإذا كنت في الشارع، أو في المترو، ورأيت يابانياً يلبس القناع ويضع سماعات الأذن، فقد تكون تلك إشارة غير مباشرة يعني صاحبها أنّه لا يفضّل الحديث مع أحد في الوقت الحالي.
لم يقتصر ارتداء الكمامات على منع انتشار المرض فقط، فقد شقّت الكمامات طريقها إلى التيار الرئيس الياباني، وفي اليابان هي موجودة لتبقى. قد يبدو الأمر مختلفًا تماماً عن معايير الصحّة والموضة في العالم الغربي، لكنّها ما زالت تعمل بفعالية!

عن موقع/ كوكونهون