دلال جويد/
نواجه أحيانا شعوراً بأن هناك من يراقبنا أو ينظر إلينا، وسرعان ما نلتفت لنرى شخصا ينظر إلينا من دون أن نراه.
يجري تفسير مثل تلك الحوادث على أساس المصادفة، ولكن بعض الحالات التي تؤكد قدرة أصحابها على تجاوز رؤيتهم حدود العينين، جعلت الدراسات تتوجه إلى معرفة حقيقة تلك القدرات وهل يمكن أن يتجاوز الانسان حاسة النظر العادية ليرى بعيون أخرى لا نعرفها؟
دراسة القدرات الخارقة
من الباحثين الذين تناولوا تلك الظاهرة بالدراسة الدكتور «روبرت شيلدريك» وهو باحث سابق في جامعة كامبردج، تخصص في دراسة القدرات الخارقة التي تتجاوز العلم، وقد جمع بيانات تؤكد أن بعض الناس قادرون على تمييز من يراقبهم من الخلف من دون أن يروه، ولكن النجاح الذي حققه شيلدريك ليس كبيرا فقد كانت نسبة الناس الذين امتلكوا تلك القدرة تمثل 55% من عدد المختبرين ومع هذا فالدكتور شيلدريك يؤكد أن تلك النسبة مهمة لاخراج الظاهرة من دائرة المصادفة والتأكيد على وجود قدرات خاصة تتجاوز النظر الطبيعي.
وما يعزز دراسة الدكتور شيلدريك هو وجود ظواهر أخرى من القدرات التي تتجاوز العينين، فقد وجد أن هناك أشخاصا يستطيعون مشاهدة الأشياء وهم معصوبو العينين، ففي مطلع الستينات شاعت ظاهرة الرؤية بغير العين في روسيا بسبب ظهور امرأة تمتلك القدرة على النظر بيديها.
القراءة بأصابع اليد!
هذه المرأة هي «روزا كوليشوفا»، وهي شابة تعيش حياة عادية وتشرف على ادارة فرقة مسرحية للعميان في مدينتها؛ فقد أصيب عدد من أفراد عائلتها بالعمى، وتعلمت روزا معهم القراءة بطريقة برايل، ولاحظت في أحد الأيام أنها تستطيع تمييز الألوان بمجرد لمسها، فأخبرت طبيبها الذي لم يأخذ كلامها على محمل الجد، حتى قدمت له برهانا على صحة ما تدعي، وأجرى الطبيب تجربة عصب فيها عيني روزا وقدم لها صورا ملونة. مررت عليها خنصر وبنصر يدها اليمنى، ثم تعرفت على الألوان واحدا واحدا، وتطورت قدرات روزا الى درجة تمكنها من القراءة بيدها بطلاقة من يقرأ بعينيه، واعترفت روزا أن أول شيء فكرت فيه هو محاولة الاستفادة من قدراتها بالغش في الامتحان بأخفاء قصاصات المعلومات في جيبها وقراءتها بيدها.
لكن أبعاد تلك الظاهرة تتجاوز طموحات روزا البسيطة، فحين اقتنع طبيبها بقدراتها ذهب بصحبتها الى المؤتمر الاقليمي الأول الذي انعقد في «تاجيل» عام 1962.
دهشة وحيرة
واجريت التجارب على روزا للتأكد من صحة قدراتها، فقد شدوا عينيها بعصابة سميكة لكن يديها استطاعت تحديد الألوان التي عرضت عليها، ونظرت بيدها الى صورة شخص فوصفت تفاصيل شكله بدقة ما أثار دهشة وحيرة العلماء.
وفسر بعض الباحثين الأمر على أن روزا تدربت على القراءة مع العميان وقد اكسبها هذا التدريب قدرة على استخدام يديها في رؤية الأشياء.
لكن التساؤل الذي اثير هو: هل تتمتع روزا بحاسة بيولوجية تساعدها على كشف الصبغات الكيميائية، للألوان؟ وللاجابة عن هذا التساؤل خضعت روزا لتجارب استمرت ستة أسابيع، وضعت خلف حاجز سميك وحجبوا عينيها بإتقان، ومع ذلك استطاعت أن تميز الألوان التي وضعت على أوراق غطيت مرة بلوح من الزجاج وأخرى بورق السلوفان.
ولم تتوقف تلك الظاهرة العجيبة عند قدرات روزا فقط، فقد وجد في الملفات القديمة أن الجريدة السوفيتية للطب العصبي النفسي كانت قد نشرت في مطلع القرن العشرين تقريرا عن سلسلة تجارب أجريت على حالة مشابهة لحالة روزا.
وفي الخمسينات بدأ الأطباء الروس بتدريب مجموعة من الناس على التعرف الى اللونين الأخضر والأحمر عن طريق اسقاط أشعة ملونة على راحات أيديهم.
ويروي العالم الباراسيكولوجي «ليونيد فاسيلبين» أن أحد المقيمين في مستشفى الطب النفسي في أواخر الستينات اكتسب القدرة على الرؤية غير البصرية عن طريق الايحاء أثناء التنويم المغناطيسي، فقد نوم الرجل مغناطيسيا، وطلب منه أن يقرأ بيديه صحيفة البرافدا، في نهاية التجربة أصبح قادراً على قراءة العناوين الكبيرة والأحرف الصغيرة.
معرفة الألوان بالمس
ومع تلك التطورات الحاصلة في ظاهرة الرؤية غير البصرية، اتجهت أنظار العلماء الى محاولة تدريب العميان على استخدام أيديهم في تعويض فقدهم للبصر.
وبدأ الباحثون الروس بتطبيق تجاربهم على تلاميذ معهد العميان في مدينة «شما» وأجريت التجارب على فتاة في الصف الثاني سلطت إلى يدها أضواء ملونة، وذكر لها اسم كل لون، وبعد أيام من التدريب أصبحت الفتاة الضريرة قادرة إلى معرفة لون الضوء المسلط على كفها، وتمكنت بعد ذلك من التعرف الى سائر ألوان الطيف الشمسي كما بدأت تتعرف إلى الألوان بلمسها واستطاع الباحثون تعليم (18) طفلا من المعهد كيفية تمييز الألوان، والنور والظلال، لكن الرؤية غير البصرية لن تتعدى تلك الحدود.
وقد عيب على تجارب الروس في تدريب العميان الضجة الاعلامية والتضخيم الذي رافقها، ما أدى الى الاساءة الى الأشخاص الذين يمتلكون قدرات خارقة.
ومع هذا فقد بقيت ادعاءات بعض الأشخاص أنهم قادرون على رؤية ما لا يرى بالعين المجردة تتوالى، فهناك من يدعي قدرته على رؤية هالة محيطة بأجساد الكائنات الحية. وتتضمن مناهج حلقات دراسة الباراسيكولوجي تدريبا على رؤية تلك الهالة، ويرى بعض الباحثين أن تلك الهالة تحيط جسم الانسان بألوان متعددة ومتغيرة تمثل مزاجه وأمراضه وكل ما يحيط بشخصيته، وأن رؤيتها تتحقق بالتأمل، وهي لا تقتصر على البشر، بل تشمل الطيور والأشجار والنباتات الصغيرة كذلك.