ارشيف واعداد عامر بدر حسون/
طلبنا الى أم كلثوم أن تكتب ما تشاء في أي موضوع تريد، عن نفسها، عن زملائها وزميلاتها عن فن الموسيقى الشرقي الذي تعتبر من عمدائه فقالت ضاحكة “ولم لا تكتبون عني ما تشاءون وأكون أنا من بين قرائكم العديدين بدلا من أن تشتركوا مع القراء في قراءة ما أكتبه أنا؟»
الاجابة لبقة وطريفة كما ترى ولهذا فكرنا فيما يكتب عن أم كلثوم وتجد فيه مطربة الشرق جديداً على القراء.
إن أم كلثوم أيام أن كانت صغيرة السن تقفز وتثبت من هنا وهناك، حين يخبرها والدها رحمه الله أنه وقع عقداً لاحياء فرح باحدى القرى.
كانت تسرع الى العقد لترى أن كانت زجاجة القازوزة او طبق المهلبية قد نص عليهما صراحة في العقد أم لا.. لأن “البنت المطربة” تطلب المهلبية والقازوزة.
احيت أول ليلة لها بمصر في دار أحد الوجهاء بحلوان، فادخلها الخدم مع المعممين الذين يتبعونها ومنهم والدها وأخوها الى بدروم المنزل ليظلوا به حتى يطلب اليهم الصعود الى البيك وضيوفه.
جلست الصغيرة أم كلثوم على مقعد وثير في ذلك البدروم ثم وقفت واخذت تثب وتثب لتختبر درجة احتمال سلك المقعد.
ودخل عليها في هذه اللحظة الخادم ليأمرها بالصعود مع فرقتها وسرعان ما صعدت وبلا أدنى كلفة او اي تفكير شرعت في الغناء. كان ذلك أيام كانت صغيرة، اما الآن فأن سومة تحسب لأي ليلة تغني فيها ألف حساب، لأن التي ستحيي الليلة هي أم كلثوم مطربة الشرق التي رفعتها أكف الجماهير الى سماء ما طاولتها سماء، انها تحسب ألف حساب لكي تحتفظ بهذا المستوى الذي وصلت اليه. انها تبحث عن الأغاني المناسبة وتطيل التفكير ثم تشرع في الغناء وهي تحسب لكل لفظ يخرج منها حسابه الحق.
فاذا ما انتهت الليلة وانصرفت أم كلثوم وجدت نفسها في حاجة الى الغناء حتى الصباح فتغني لنفسها ولبعض من يسعدهم الحظ من اخصائها وزملائها.
وأم كلثوم في هذه الأثناء تكون قد جاوزت حدها المألوف في الطرب، ولقد يصاب بعض زملائها العازفين بما يشبه المس لأنهم يكونون في نشوة وسعادة لم يحلموا بها أثناء الغناء “الرسمي”. ماذا يكتب أيضاً عن أم كلثوم؟ هل يعرف أحد أن كل ما كانت تملكه مطربة الشرق كان باسم والدها؟، فلما انتقل الى رحمة الله ورث أخوها ضعف ما ورثت ورفضت أن تصحح الأوضاع فتتسلم جميع التركة التي هي من مالها؟
اذا كانت بعض الناس يطالب أم كلثوم بالتبرع في مناسبات مختلفة، فأن على هذا البعض أن يذهب الى قرية طماي التابعة لكفر الزهايرة مركز السنبلاوين.
عليه أن يذهب الى هناك ليعلم أن كل فقيرة تقله أرض طماي يدعو لبنت بلده أم كلثوم بالسعادة والهناء لأنها جعلت من طماي قرية سعيدة.
قالت سومة مرة لأحد أصدقائها أنها حين استقرت بمصر ورأت الورقة ذات العشرة جنيهات وذات الخمسين جنيها، “وكانت تسكن وقتئذ في لوكاندة جوردون هاوس ويملك هذا البناء الآن الاستاذ محمد عبد الوهاب” حين شعرت بأنها تملك نقوداً وتستطيع أن تنفق عن سعة لم تجد هي ومن معها “الوالد والاخ ومعلمها الشيخ ابو العلا محمد” غير أن يتفننوا فيما يأكلون.
كانوا يذبحون كل يوم رأساً من الغنم وديكاً رومياً وعدداً كذا من الدجاج والحمام وكانت النتيجة أن اصيبت هي وأخيها بمرض المعدة فهل سمع أحد حديثاً صريحاً كهذا الحديث؟
إن أم كلوم حين سمعت عنها هذه القصة.. وحين اتخيل المركز الذي وصلت اليه الآن أتمثل ما قاله شوقي أمير الشعراء عن العصاميين.
قال رحمه الله:
شرف العصاميين صنع نفوسهم من ذا يقيس بهم بني الاشراف قل للمشير الى ابيه وجده اعلمت للقمرين من أسلاف؟