آية منصور /
لم تمنعه متلازمة داون التي أصابته، وجعلت العديد من أقرانه في عزلة يمضون أيامهم على هامش الحياة، من مواصلة مشواره وسط عائلة احتضنته واكتشفت موهبته مبكراً.
وبدلاً من أن يكون طه شاباً عاجزاً يحتاج الى الآخرين، نجح في أن يشق طريقه ويمضي على سكة النجاحات ليخطف الجوائز المحلية والدولية، ويصنع لنفسه مكانة أثارت الاهتمام.
هذا الشاب، الذي عشق التصوير، أدهش بمهارته المعنيين في العالم حتى أن المصورين وصفوه بالمعجزة، وصار ضيفاً مميزاً على المؤتمرات والمسابقات الدولية التي خطف جوائزها.
الحب الذي يملأ قلب طه، عبرت عنه تلك الصور التي بث فيها الحياة والتقطها بطريقة ساحرة ليشكل بصمة أمل للكثير وحالة إنسانية فريدة ومتميزة وملهمة لكل إنسان يريد أن يصنع له بصمة في الحياة.
حب ورعاية
ولد طه العنزي، البالغ 19 ربيعاً، وسط عائلة لم تتكاسل يوماً عن تقديم الحب والرعاية، لكونه مصاباً بمتلازمة داون، ولم تتعامل معه على أنه شخص عاجز او محتاج. الأب، الضابط المتقاعد، والأم، أخذا على عاتقيهما المسؤولية الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، للتعامل معه بصورة طبيعية وذلك من خلال دمجه بالمجتمع، ليبدأ رحلته في الحياة كإنسان أثبت قدرته على ترسيخ وجوده ودوره وقدرته على العطاء.
طه أفصح عن موهبة في فن التصوير الفوتوغرافي مذ كان عمره 4 سنوات، اذ اكتشف والده هذه الهواية من خلال استخدام طه لكاميرا الهاتف المحمول، الأمر الذي شجع والديه وحفزهما على عرض صوره على الجهات المختصة، ومنها الجمعية العراقية للتصوير الفوتوغرافي.
المعرض الأول للحب
أجرى وقتها رئيس جمعية التصوير العراقية، كريم البعاج، لطه بعض الاختبارات لمشاهدة أعماله وقدرته على التصوير، وسرعان ما عرض على عائلته إقامة معرض شخصي له، وبالفعل تحقق ذلك، لتباشر الأضواء الإعلامية والصحافة الاحتفاء به ووصفه على انه حالة نادرة اعتبرها ذوو الاختصاص بمثابة المعجزة. وفي ضوء ذلك منح طه عضوية الجمعية العراقية للتصوير الفوتوغرافي كأصغر مصور فوتوغرافي في العراق للعام 2010.
وهنا ازدادت مسؤولية والديه، وأصبحت أكبر لمن حوله، لتكون حالة طه رسالة للمجتمع، مفادها أن هناك مواهب وإبداعات لدى الكثير ممن هم على شاكلة طه، وهي فقط تحتاج الى مناخ يصقل تلك الطاقات وجهات حاضنة لتنمية قدراتهم.
جوائز بالجملة
أقام طه العديد من المعارض الشخصية، وشارك في الكثير من الفعاليات والنشاطات المحلية والدولية وحصل على ألقاب رسمية دولية ومحلية ومنها جائزة الشباب العربي المتميز الدولية، وجائزة سمو الشيخه فاطمة بنت مبارك للشباب العربي المتميز، وحامل لقب سفير الجائزة لعام 2012 ..2013 وفاز بجائزة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة في جمهورية مصر العربية تحت رعاية جامعة الدول العربية، كما فاز بجائزة الإبداع لعام 2014 لمؤسسة عيون للثقافة والفنون، وهو أيضاً عضو من الدرجة الأولى في المنظمة االدولية للثقافة العربية في فنلندا، إضافة الى فوزه بمسابقة جمعية أصدقاء الصورة في الولايات المتحدة الأميركية وهناك الكثير من الجوائز وشهادات التميز التي حصدها طه كما يقول والده لمجلة “الشبكة العراقية”.
لا يستمع لغير قلبه!
من طباع طه في التصوير الميل لالتقاط الصورة بعد أن يتأمل المكان ويدقق في تفاصيله ليكتشف مواطن الجمال فيه قبل تصويره، لاسيما تلك الأماكن التي يزورها لأول مرة.
ويؤكد والده أن طه يثق بنفسه كثيراً ويرفض أية نصائح بشأن زوايا ومكان الصورة اذ يخبرنا:
-عندما نطلب منه أن يلتقط صورة معينة يواجهنا بالرفض، أحياناً يبقى لساعات طوال في المكان من أجل اصطياد لقطة لصورة واحدة. يميل طه بطبيعته لتصوير الطبيعة، ساحباً إياها من جمادها المعتاد، ليشعرك بعدها بأنه راضٍ عن الصورة، بعد أن يبث فيها روحاً.
لاتفارق عدة التصوير طه، أحيانا يخبئ كاميراته قرب سريره لشدة حبه للتصوير، اذ أصبحت تلك الكاميرا بمثابة صديق او زميل دراسي، لأنه لم يستطع إكمال دراسته، وذلك بسبب أن المعهد الذي ينتمي له طه حكومي، وإمكانياته محدودة جداً لا توفر ولا تقدم لطه شيئاً كما قدم والداه.
كان طه مختلفا عن أقرانه فهو يتمتع بذكاء ويتعلم بسرعة، كان يعرف ألعاب البلي ستيشن وإمكانيته باستخدام الحاسوب والموبايل عالية لكن تعليمات المعهد التي توجب مغادرة من يبلغ عمره 15 سنة جعلته يغادره.