ذوالفقار يوسف /
تحت أنظار الطين، تلمّست أنامل الصانع تلك النغمات المجهولة، تلك التي لم تتخلَّ عن طبقاتها الأصلية، فقد كانت تمزج الروح لتعرّيها من العيوب. وبالرغم من أنها عرضة للشك ومليئة بزوابع التكهنات، إلا أن أميرها جعل إبداعها يحل محل تلك التشوهات، ولكي تزيل منها آخر الأقنعة، لابد أن تخلق الجمال بأبهى صورهِ السومرية.
النحّات محمد عزيزية، صانع الجمال في حوار مع “مجلة الشبكة العراقية”..
* تعيش المنحوتات أكثر بكثير من الأعمال الفنية الأخرى، هل هذا سبب اختيارك لفن النحت؟
– إن اختياري لفن النحت، ذلك أنني عند أول تجربة في مرحلة الدراسة الأولية في كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد، كان هنالك تواصل روحي بيني وبين خامة الطين، ما فتح أمام عينيّ مجالاً للتفكير بقيمة هذا الفن ومداه الرحب في الإبداع، ومحاولة إظهار القيم الفنية والجمالية في تكوينات ثلاثية الأبعاد مجسّمة، ففن النحت فن تعامل مع كتلة حقيقية لمحاولة خلق علاقات في فضاءات واقعية.
تراكم الشعور
*الملهم هو الصانع الأول لهويتك الفنية، هل هناك ملاك ألهمك وما زال يتلقف أناملك في صناعة الجمال؟
-الإلهام والإبداع حالتان متوازيتان في الفن، إذ أن امتلاك عملية الإلهام ضرورة في الفن، فهي تترجم على أنها دافع لتقديم الجديد والبحث عن الغريب في التعامل مع الصورة البصرية للإلهام الذي يصاحبني على الدوام، وهو بطبيعة الحال نابع من التأثر بمرجعيات عدة تضغط باستمرار نحو تقديم الأفضل، ومرتبطة بالبيئة والواقع الاجتماعي، وتراكم الشعور اللاجمعي مع الكم الكبير من تاريخ وحضارة العراق التي تعطي حافزاً للتجديد والإبداع.
ترتيب الأفكار
*الميل للتأملات له نتائج رائعة ماهي مظاهرها؟
– التأمل هو بداية الخطوة الأولى للشروع في فكرة عمل، هو محاولة لخلق فضاء رحب لترتيب الأفكار ومحاولة جمع تراكمات الخبرة وصبّها في قالب جديد لعمل إبداعي مبتكر.
*شبح الحروب والمآسي ما يزال جاثماً فوق أرواحنا، كيف سيكون شكل هذا الشبح لو كان عملاً فنياً؟
– كل مجتمع يقع تحت وطأة الحرب يتوجه فيه الفكر الى اتجاهات المآسي والخلاص من كل عمليات قتل الحياة، هي ليست عملية ترجمة حرفية لكلمة شبح الحرب، بل هنالك حالات لاتحصى من الصور والانفعالات، التي يمكن أن تترجم الى عمل فني يحمل طابعاً يثير في نفس المتلقي الشعور بهذا الشبح.
*فن النحت كالحديث الجميل مليء بالجمل المعترضة، متى تواجه الصعوبة في إكمال عملٍ ما؟
– الصعوبة في إكمال عمل فني تكمن في عدم اكتمال تلك الصورة للعمل، إن لم يكن العمل الفني مترابطاً متسلسلاً، لا يمكن أن يترجم حالة فنية إنسانية جمالية، وسوف أجد نفسي في حالة توقف عن إكمال ذلك العمل.
*أن تكون فناناً عراقياً فلابد من ثمن، هل أثّر إهمال الثقافة العراقية لمبدعيها على مسيرتك؟
– كل فنان بطبيعة الحال مؤثر ومتأثر في نفس الوقت من باب التعامل بمبدأين للتكيف في مجتمع او بيئة تحتضن الفنان، وهي الحاجة للمجتمع وتبعيته لبني جنسه، ولأثر الإهمال تاثير سلبي كبير على كل مفاصل الفن فكيف لا أتأثر بهذا الإهمال؟
تنقل
*لكل فنان منطقته الخاصة التي يبرز فيها، ما هي المنطقة الفنية التي يرى محمد عزيزية نفسه فيها؟
– من جماليات الدراسة الأكاديمية أنها جعلتني أجرب في أكثر من منطقة للفن، والتنقل بين الواقعية والتجريد، والانتقال الى التعبيرية والتعبيرية التجريدية ومنها الى التجريد الصرف والتحول الى السوريالية ومن ثم العودة الى الواقعية المفرطة، إذ أجد في نفسي مجرباً في بحر عميق هو فن النحت.
مراجعة للخبرات
*تجنح روح الفنان الأكاديمي للوضوح والتركيز، هل كان التدريس لعزيزية ضياع لروحه الفنية في الإبداع؟
– التدريس في اختصاص الفن هو اختصاصي الدقيق، هو عملية مراجعة للخبرة مع محاولات تجديد مستمر لهذة الخبرة، من خلال الاطلاع على المناهج الحديثة، إذ أن مواكبة المدارس الفنية الحديثة ماهي إلا عملية تجديد وإضافة للفن.
*لكل مسابقة شروطها وقيودها في صناعة عمل ما، هل تعتبر تلك الشروط بداية النهاية للإبداع؟
– هنالك جدليه لاتنتهي، وهي هل الفن فكرة تنفذ ضمن شروط معينة، أم هي فكرة لحظوية مبدعة لاتخضع لشروط، الفن جدلي ينفذ الفنان أفكاره منه وإن كانت بدون شروط، فهنالك شروط تحكمه من خلال اختيار المادة او الخامة وحتى موضوع الفكرة، وهي محصورة بواقع الفنان المادي، فليست هنالك فكرة حرة لامتناهية، إذ أن الفنان المبدع هو من يوظف كل الشروط لخدمة فكرته الفنية.
*من هم قديسو فن النحت بالنسبة لك؟، تلك النجوم البشرية التي تتلمذت على أيديهم؟
– كل من تتلمذت على أيديهم أضافوا لي شيئاً من الفن بشكل كبير، أسماء عملاقة وخالدة أمثال الراحلين محمد غني حكمت، واسماعيل فتاح الترك، وصالح القرغولي، والدكتور مؤيد وهبي والعلّامة طارق مظلوم والدكتورة بلقيس هادي فضلا عن النحّات مرتضى حداد، والبروفسور زهير صاحب، والناقد والفيلسوف نجم عبد حيدر، .
الفن رسالة
* الفن في العراق، هو كأنك تغلف الخشب بالورق لكي لايحترق، ماهو رأيك في إصلاحه كفنان؟
– الفن في البلد ليس وليد اللحظة، إنما هو جذر حضاري عميق عمق التاريخ، لايمكن لظرف اوحالة تعصف بواقع البلد أن تغير من واقعه وجذوره المتأصلة، ودور الفنان لايتغير لأن الفنان الحقيقي هوصاحب رسالة إنسانية ولو تهيأت له الظروف لأبدع من جديد.
نصب المصالحة الوطنية
*بماذا سلّحت جبهة الفن، إنجازات ومشاركات كثيرة لمحمد عزيزية، حدثنا عنها؟
* منذ عام 1993 كنت متواصلاً مع الوسط الفني من غير توقف، في عملية لبناء طريق خاص لي في الوسط الفني، من خلال المشاركات في أغلب المعارض الفنية في العراق من خلال جمعية الفنانين ونقابة الفنانين العراقيين منذ عام 1996الى عام 2019، وكذلك مهرجانات وزارة الثقافة ودائرة الفنون في مركز الفنون السنوية منذ علم 1997 الى عام 2016، ومشاركات على مستوى دولي أيضاً في لبنان أعوام 2011 و 2013 و2014 والكويت 2014، ومهرجان بغداد عاصمة الثقافة 2013، والفوز بنصب المصالحة الوطنية وتنفيذه في جزيرة بغداد 2009، ومهرجان المسرح العراقي ضد الإرهاب 2016، والعديد من المشاركات الداخلية على مستوى القاعات، ومساهمتي في مبادرة “ألق بغداد” 2018.