باسم عبد الحميد حمودي /
حفل كتاب الليالي الرائع المسمى (ألف ليلة وليلة) بالكثير من الحكايات التي كانت تتنبأ بما سيحدث على أرض الواقع.
عرفت حكايات شهرزاد هذه بالكثير من التفاصيل عن الغواصة في حكاية (عبد الله البري وعبدالله البحري) وتعرضت في حكايات أخرى لصناعة الطائرة والهاتف النقال وسواهما.
كان الخيال العلمي في الحكايات سداً لحاجة درامية في إبهار السامع الذي تروى الحكايات له والقارئ الذي يقرأ الحكايات البغدادية مدونة ثم مطبوعة بعد هذا.
كان هدف كاتب الحكايات الفريد ردم الهوّة بين الضعف الإنساني الفردي وعدم قدرة السامع –القارئ أيام زمان على تنفيذ ما تحكيه الليالي من حكايات, وبين قوة العلم المفترضة, حين كانت الخرافة السحرية واحدة من أشكاله.
بذلك سبق مبدع ألف ليلة وليلة كل أشكال الاختراعات العلمية التي تحققت بعد هذا خلال الثورة الصناعية في أوروبا وصولاً الى ثورة المعلومات .
البساط السحري
البساط السحري لقوى الجان في حكاية قمر الزمان وحبيبته هو الطائرة الحديثة التي توصل المسافر حالياً من بغداد الى دمشق والقاهرة, والى أبعد من هذه المدن بكثير في ساعات قليلة, لكن قائد البساط السحري الحديث إنسان مثلنا أفاد من اختراع هذا الطائر الحديدي وسيّره بقدرته العلمية، لا السحرية, وسنجد ما يشبه هذا في الفرس المكونة من أبنوس وعاج كما سيأتي:
عصا (يغموس) العجيبة
في الليلة(517 ) تشتغل عصا الراهب يغموس التي كانت تعطي في جزء منها حليباً وفي جزء منها لحماً وفي الجزء الثالث فواكه, وهو الاختراع (الألفليلي) الخاص بحافظات الطعام السريع المنتشرة في السوبرماركتات والمولات الحديثة لتعطي المشروبات والسندويجات الحارة والباردة لمن يطلبها باستخدام الدفع الآلي.
صفّارات الإنذار
الحمد لله أن الجيل الجديد لايتذكر صفارات الإنذار الرهيبة التي عايشها العراقيون في شتى الحروب السابقة, لكن تجربة (بوق النحاس) الذي تصفه الليلة (381) والذي يصيح إذا دخل مدينته كائن غريب أو عدو لينبه الناس الى ضرورة التحرك والمواجهة, فيما تطور شكل السرير الحديدي الناقل عبر الأجواء الى هيئة فرس من أبنوس وعاج, يعالجه راكبه بمفاتيح فيه ترفعه في الأجواء وتخفضه حسب إرادة الفارس – الطيار.
العفاريت وحرب الصواعق
لم يكن مبدع هذا الكتاب البغدادي الممتع (ألف ليلة وليلة) منشغلاً بحكايات الملوك والخلفاء والجواري وليالي العشق والسهاد وطرائق الوصول الى المراد , بل كان (يبتكر) الوسائل المعرفية المتعددة لمنع الشر والحروب باستخدام الخداع السحري.
حكاية الفارس النحاسي الذي يستطيع بإرادة صانعه ومشغله محاربة جيوش برية قادمة والانتصار عليها, لا تكاد تبتعد عن (حرفية) تحريك العفريت الذي يقذف الأعداء بصواعقه.
بذلك رسم كاتب الليالي البغدادية الألف جواً من المتعة الروحية والسمر المحتفي بالحب والمحبين وأخبارهم, إضافة للمخترعات العلمية المبتكرة رهينة العفاريت وقوى الجان الخفية التي حولها الإنسان الحديث الى طاقة وأزرار حاسوب.
التوحيدي.. مخترع الليالي الكبير
كان هدف كاتب الليالي الأديب الموسوعي أبي حيان التوحيدي-كما أرى- إسعاد الناس وتسليتهم ووعظهم ونصحهم, وكانت مخترعاته، التي استعانت بالسحر والجان والبساط السحري ووسائل أخرى، سبلاً للمتعة السردية والإبهار لإيصال رسالته في حب الخير وإيصال الناس الى سعادتهم بعد طول معاناة.
كان التوحيدي مخترعاً على الورق ومتنبئاً حقيقياً لما سيحدث في عالم الغد، وهو عالم اليوم من تحولات علمية كبيرة, سبق أن اخترعها التوحيدي…!