#خليك_بالبيت
ترجمة: آلاء فائق – مارك كينفر، عن الـBBC /
ألقت إحدى الدراسات المهتمة بتحسين البيئة الضوء على الدور الذي يلعبه كثير من المدن حول العالم للتوفيق بين الأهداف البيئية الطموح وضغوطات التنمية المتواصلة.
فقد سجل العلماء في ملبورن (ثاني أكبر مدن أستراليا بعد سيدني، يناهز عدد سكانها 4 ملايين نسمة) مكسباً حقيقياً في إكساء المدن بأشجار الشوارع، لكنهم مقابل ذلك سجّلوا خسارة في عدد هذه الأشجار في المتنزهات العامة والحدائق المنزلية.
يقول الفريق الأسترالي إن الإجراءات اللازمة لحماية الأشجار الكبيرة وتلك المزروعة في السنوات الماضية “حاسمة” إذا أريد تعزيز غطاء الغابات الحضرية في المستقبل، وقد ظهرت نتائج الدراسة في مجلة “المدن والمجتمع المستدام.”
أما على الصعيد العالمي، فإن دور الأشجار في المدن والبلدات الصغيرة معترف به بشكل جيد، كتوفيرها للظل أثناء أشهر الصيف الحارة، والمساعدة في امتصاص التلوث الضوضائي، فضلاً عن امتصاص مياه الفيضانات.
فحص فريق من الباحثين في أستراليا محنة الأشجار في مدينة ملبورن في العقد ما بين عامي 2008 و 2017، إذ لاحظوا في دراستهم نمطاً معقداً، فقد أظهرت تحليلاتهم زيادة صافية في ظلال الأشجار المزروعة في الشوارع العامة، مقابل خسارة صافية في ظلال الأشجار في الحدائق المنزلية والمتنزهات العامة والمزارع الخاصة.
فقدان الأشجار الصغيرة
وقال الفريق إن الأشجار التي تمت إزالتها بشكل متكرر من الحدائق والمتنزهات العامة والشوارع كانت أشجاراً صغيرة، لا يقل قطر جذعها عن 15 سم، ناهيك عن أن الأشجار القريبة من مرحلة النمو كانت من بين الأشجار الأكثر عرضة للخطر.
شرح صورة: تدرك معظم مدن العالم أهمية الأشجار في تحسين نوعية حياة الناس
وكتبوا: “أُزيل ما يقرب من ألفي شجرة من الشوارع في مسافة 10 أمتار من مواقع التطوير الرئيسة، أي ما يعادل 20 % تقريباً من جميع أشجار الشوارع التي أُزيلت، لكن هذا لا يمثل سوى 8 بالمئة فقط من الخسائر في الأشجار الظلّية.”
يقول تامي كروسر، مشارك في البحث وطالب دكتوراه في مركز البحوث الحضرية بجامعة RMIT في ملبورن- أستراليا، إنهم تمكنوا من تسجيل حجم الأشجار التي أُزيلت في ملبورن، مضيفاً: “كما وجدنا أن معظمها أشجار صغيرة.”
“تقريبا شجرة واحدة فقط من أصل 20 كانت شجرة ناضجة وقطر جذعها يصل لأكثر من 60 سم.”
وأضاف: “بشكل عام، الظل الذي توفره أشجار الظل هو في المدينة الداخلية، وبقيت هذه الأشجار في الطليعة قبل خسائر التنمية.. حدائقنا ومتنزهاتنا فقدت أشجار الظل، وكذلك حدائق كثير من البيوت، لكن وجود أشجار الظل التي نمت بشكل طفيف في الشوارع أضفى توازناً لطيفاً”.
وأشار إلى أن ذلك كان نتيجة عمل المسؤولين في ملبورن الذين طبقوا سياسة قوية لحماية الأشجار، ولقد وفر ذلك في الوقت عينه عشرات آلاف الدولارات الأسترالية لإزالة شجرة كبيرة وناضجة. يبدو أمر كهذا مثبطاً فعالاً للطموحات.
يدير مسؤولو مدينة ملبورن أيضاً برنامجاً كبيراً للزراعة، لوضع نحو ثلاثة آلاف شجرة جديدة في الأرض كل عام.
تشتهر ملبورن بأنها مدينة الأشجار، وقد وضع المسؤولون علامة على كل شجرة في المدينة وأعطوا كل واحدة منها عنوانَ بريد إلكترونياً فردياً، ووضع المخطط بحيث يمكن للناس الإبلاغ عن المشاكل أو المخاوف. بدلاً من ذلك، أرسل الناس ملاحظات تعاطفيه مع الأشجار الصمغية وأشجار البلوط والدردار (من أكثر الأشجار شيوعاً، تتميز بقدرتها العالية على التظليل في الباحات الخلفية وبامتداد شوارع الحي.
حصار شيفيلد
في حين أن بعض المدن تدعم زراعة الأشجار، وتشيد بالفوائد التي تقدمها كالتخفيف من تأثير الحرارة التي تكثر في الجزر الحضرية، فضلاً عن عدِّ الأشجار موطناً للحشرات والحيوانات والطيور، وتحسن من شعورنا بالرفاهية – فقد سقطت مدن أخرى نتيجة لسخط المحتجين الغاضبين والمقيمين.
شيفيلد هي مدينة في المملكة المتحدة، تقع تحديداً جنوب يوركشير في إنكلترا، تعدُّ من أفضل مدن البلاد جودة في المعيشة، وهي من المدن النامية اقتصادياً وسكانياً، كما تعدّ واحدة من المدن الأكثر خضرة في البلاد. ومع ذلك، نفّذ أعضاء المجلس برنامجاً واسع النطاق لإزالة أشجار الشوارع عام 2017.
ستراتيجية المجلس ركّزت على “الشوارع الأمامية” – التي أزيلت بموجبها نحو 5500 شجرة منذ عام 2012 واستبدلت بها الشتلات.. قطع الأشجار كان “الملاذ الأخير” فقط، لكنه نبَّه السكان والمتظاهرين إلى أن الأشجار التي لا ضرورة لقطعها قد قُطعت، ومن حينها ارتفعت نسبة التوترات، كما ارتفعت درجة الحرارة، ما دفع إلى تنظيم المزيد من الاحتجاجات واعتقال المزيد من الناس.
أدت المواجهة إلى تغطية إعلامية واسعة النطاق، فقد وجد تحقيق أجراه أمين المظالم في الحكومة المحلية البريطانية أن مجلس شيفيلد ضلَّل السكان. قبِل المجلس النتائج وأصدر اعتذارات للسكان.
يبلغ متوسط اشجار الظل في مدن إنكلترا وبلداتها 16% في المتوسط، وَجد مشروع “Forest Research”، وهو مشروع علمي للمواطنين، بالشراكة مع Trees for Cities و Brillianto، أن التغطية في 283 منطقة حضرية تراوحت ما بين 3% و 45%.
وفي شرح الدوافع وراء خريطة المملكة المتحدة لغطاء أشجار الظل الحضري على مستوى المملكة المتحدة، قالت شركة Forest Research: “يتم التعرف على الأشجار الحضرية بشكل متزايد بسبب الفوائد الكثيرة التي تقدمها، مثل إزالة ثاني أوكسيد الكاربون والملوثات من الهواء، وتوفير الموائل للحياة البرية، وجعل المناطق الحضرية ممتعة وصحية لتكون أكثر جاذبية.”
ونظراً لأن قضية تغيّر المناخ تشكل ركيزة أساسية للسياسات الحكومية، فإن كثيراً من المدن تضع أهدافاً لتعزيز زراعة أشجار الظل الحضرية في شوارع المدن الرئيسة.
تزايد الطموحات
في الانتخابات العامة الأخيرة في المملكة المتحدة، تعهدت الحكومة بزراعة 75000 فدان إضافي من الأشجار كل عام، البرلمان المقبل سيتولى المهمة وبعبارة أخرى، بحلول عام 2024 ستنجز المهمة كاملة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الطموح، من المتوقع أن تساعد المجالس في المناطق الحضرية في تحقيق هذا الهدف.
في المنتدى العالمي حول الأشجار الحضرية، الذي عقد في إيطاليا عام 2018، أصدر المندوبون دعوة للعمل من أجل تسليط الضوء على فوائد الأشجار في المدن.
يعيش أكثر من نصف سكان العالم الآن في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 68% بحلول منتصف القرن الحالي، في حين أنه من المقبول على نطاق واسع أن الغطاء الذي توفره أشجار الظل يمكن أن يحسن من رفاهية الناس اليومية. يقول ثامي كروسر: إن دراسة ملبورن سلطت الضوء على بعض العوامل للحفاظ على الأشجار في جميع أنحاء العالم.