عامر جليل ابراهيم – تصوير صباح الامارة /
“يتكوّن البناء من فسحة واسعة تحتوي على مصطبة من الطابوق لجلوس الإمام، ويحتوي البناء على أربع غرف بطراز إسلامي، قبر الإمام مصنوع من الخشب الصّاج اللّماع، ومغطَّى بالعلم الأخضر ومكتوب عليه الشهادتين”
هذا ما جاء في تقرير لجنة من وزارة الاوقاف العراقية في العام 1995 عندما زارت مرقد الامام أحمد ابن حنبل، وهو ذات المشهد الذي سوف تراه الآن بعد مرور ربع قرن من الزمان عندما تذهب لزيارة مرقد صاحب المذهب الحنبلي ولكن بتفاصيل قاتمة، فالطريق المتعرّج المؤدي إلى المرقد عبارة عن برك آسنة ومجارٍ طافحة ومعامل حدادة وفنادق رخيصة وأناس يعيشون على الهامش.
قبر حديث
دفن الإمام أحمد ابن حنبل بعد وفاته في مقبرة باب حرب وهو ما يؤكده العديد من المؤرخين منهم الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وياقوت الحموي وابن الجوزي في المنتظم ومقبرة باب حرب هو الربض الواقع شمال غرب الكاظمية الحالية، نقلت رفات الإمام إلى مسجد عارف آغا أيام فيضان نهر دجلة سنة 1937م.
يقع المرقد الحالي في مسجد عارف آغا بمنطقة الحيدرخانة في رصافة بغداد، خلف مبنى المصرف الإسلامي سابقاً في شارع الميدان وتحديداً بمنطقة الكهية، والمسجد من مساجد العراق القديمة التي بنيت في عهد العثمانيين.
“مجلة الشبكة العراقية” وفي سعيها للتعريف بالأماكن الدينية السياحية في العراق، زارت هذا المكان والتقت السيد قصي خليل إبراهيم، مدير قسم الأضرحة في دائرة المراقد والمقامات في الوقف السني، وبعدها كان لقاء مع خادم ومؤذن المسجد والمرقد السيد محمد حسن عبدي الشيخلي.
يقول السيد قصي خليل إبراهيم مدير قسم الأضرحة: ولد أحمد بن حنبل سنة 164هـ في بغداد ونشأ فيها يتيما، وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الاسلامي، تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة، وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلى طلب العلم، وفي سنة 179هـ بدأ ابن حنبل يتجه إلى الحديث النبوي، فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هشيم بن بشير الواسطي حتى توفي سنة 183هـ، فظل في بغداد يطلب الحديث حتى سنة 186هـ ثم بدأ برحلاته في الشأن نفسه. فرحل إلى الحجاز وتهامة واليمن، وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين، وعندما بلغ أربعين عاما في سنة 204هـ جلس للتحديث والإفتاء في بغداد، وكان الناس يجتمعون على درسه حتى بلغ عددهم قرابة خمسة آلاف.
نسبه
ويضيف السيد خليل أن نسبه هو: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. فهو من ولد شيبان بن ذهل بن ثعلبة وليس من ولد شيبان بن ثعلبة كما تصور بعض الروايات، فإذا قيل الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة، وإذا قيل الذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة، فينبغي أن يقال أحمد بن حنبل الذهلي على الإطلاق، لأنَّه من ولد ذهل بن ثعلبة، وقد نسبه البخاري إليهما معا فقال الشيباني الذهلي. أمه: صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك بن سوادة بن هند الشيبانية كان جدها عبد الملك بن سوادة من وجوه بني شيبان وكانت قبائل العرب تنزل عليه فيضيفهم.
نشأته
ويضيف السيد خليل: لقد فقد ابن حنبل أباه وهو طفل صغير، فقد قال: لم أر جدي ولا أبي والمعروف أن أباه مات بعد ولادته، ولا بد أن ذلك كان وهو صغير لا يعي ولا يدرك شيئا، بدليل أنَّه نفى رؤيته لأبيه وجده، وقد ذكر أن أباه مات شابا في الثلاثين من عمره، ولقد قامت أمه بتربيته في ظلّ من بقي من أسرة أبيه، وكان أبوه قد ترك له ببغداد عقاراً يسكنه، وآخر يغل له غلّة قليلة تعطيه الكفاف من العيش، فاجتمع له بتلك الغلة الضئيلة أسباب الاستغناء عما في أيدي الناس.
نشأ ابن حنبل في بغداد وتربّى بها تربيته الأولى، وقد كانت بغداد تموج بالناس الذين اختلفت مشاربهم، وتخالفت مآربهم، وزخرت بأنواع المعارف والفنون، فيها القراء والمحدثون والمتصوفة وعلماء اللغة والفلاسفة والحكماء، فقد كانت حاضرة العالم الاسلامي، وقد توافر فيها ما توافر في حواضر العالم من تنوّع المسالك وتعدّد السبل وتنازع المشارب ومختلف العلوم، وقد اختارت أسرة ابن حنبل له منذ صباه أن يكون عالما بكل العلوم الممهدة له، من علم بالقرآن والحديث واللغة ومآثر الصحابة والتابعين وأحوال النبي محمد وسيرته وسيرة أوليائه الأقربين، وقد اتفقت هذه التربية أو هذا التوجيه مع نزوعه النفسي، وما كانت تصبو إليه همته من غايات، فقد وجّهته أسرته إلى القرآن الكريم منذ نشأته الأولى فحفظه، وظهرت عليه الألمعية مع الأمانة والتقى، حتى إذا أتمّ حفظ القرآن الكريم وعلم اللغة، اتّجه إلى الديوان ليتمرّن على التحرير والكتابة، ولقد قال في ذلك: كنت وأنا غليم اختلف إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأنا ابن أربع عشرة سنة.
زوّار واحتياجات
أغلب زوار المرقد من الباكستانيين الذين يزورون مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني (رض)، وعددهم قليل نسبياً والسبب في ذلك هو عدم وجود طريق واضح معروف للوصول إلى المرقد إضافة إلى افتقاره إلى الكثير من الخدمات والاثاث مثل الثريات والكراسيليكون محطة استراحة للزوار.
ورغم الإهمال الواضح للمرقد وتهالكه الذي لا يليق برجل مثل الإمام أحمد ابن حنبل، فإن التاريخ الاسلامي والانساني خلّد لصاحب رابع المذاهب السنية وآخرها ذكراه كما يليق بهذا العالم الجليل.