مصنع القطنية.. ملاكات فنية مبدعة للنهوض بالصناعات النسيجية

#خليك_بالبيت

فكرة الطائي /

فكّرتُ قبل أن أصل إلى مصنع القطنية في مدينة الكاظمية أني سأدخل مصنعا صغيرا للأقمشة أو ما شابه من تلك الصناعات، وصلت إلى المصنع مع ساعات الصباح الأولى، قبل أن أخطو خطواتي الأولى إلى داخل المصنع، أبهرني فضاء ذلك المصنع وما فيه من مساحات خضراء وأبنية تحمل رائحة بغداد القديمة، وأنا أواصل خطواتي مع السيد “خالد برهان” مدير الإعلام والعلاقات بقيت أتأمل جمال هذا المكان الذي أعادني إلى العمارة البغدادية في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي، ففضلا عن المساحات الخضراء، هناك دور سكنية يشغلها عدد من العاملين في المصنع.
أعادني صوت السيد خالد للتركيز على حديثه عن مصنع القطنية، إذ قال: هذا المصنع هو أحد تشكيلات وزارة الصناعة والمعادن ويتبع الشركة العامة لصناعات النسيج والجلود بوصفه أحد مصانع الشركة، ويضم خمسة معامل، ثلاثة منها في داخل بناية المصنع هذه، وهي معمل نسيج بغداد ومعمل المنتجات الطبية ومعمل الأكياس البلاستيكية المنسوجة، أما المعمل الرابع فهو معمل الخيم في الوزيرية ومعمل عانة في الأنبار.
معمل المنتجات الطبية
أخبرت الزميل خالد أن ما أبتغيه هو زيارة معمل المنتجات الطبية قبل التعرف على بقية مفاصل المصنع الأخرى، فاصطحبني إلى هناك حيث استقبلنا المهندس “باسم مهدي الموسوي” مدير المعمل وأوجزنا بمقدمة تأريخية عن تأسيس عن المعمل بالقول: “تأسّس معمل المنتجات الطبية عام 1979 وشُغِّل عام 1980 والغرض من إنشاء هذا المعمل هو تزويد وزارة الصحّة بما تحتاجه من مستلزمات طبية، ويضم المعمل الأقسام الآتية، إنتاج الشاش واللفافات، إنتاج القطن الطبي الماسك، إنتاج الأجهزة الوقائية والتعقيم، إنتاج البلاستر ولصقة الظهر.
معيقات الإنتاج
في الحديث عن المعوقات التي تواجه المعمل نلمس نبرة حزن في حديث المهندس باسم، إذ يقول: قلة التخصيصات المالية هي المشكلة الرئيسة التي تواجه معملنا لأنَّه يعمل وفق نظام التمويل الذاتي مما يدفعنا إلى الاعتماد على مواردنا الذاتية وتعظيم هذه الموارد الا أنّ التعليمات قد تعيقنا عن تطوير العمل، إذ تقول التعليمات لا ضرورة لاستيراد المواد الأولية لمنتجات لا تسوّق ولا تباع في الأسواق المحلية لوجود منتج تنافسي مستورد، نحن الآن في وضع أزمة، وهو تفشي وباء “كورونا” في العالم والعراق جزء من هذا العالم، ومواجهة هذه الأزمة تضامنية بين الجميع شعوباً ودولاً، وكما ذكرت سابقا لأنّنا من دوائر التمويل الذاتي فلا نستطيع شراء مواد أولية مستوردة نحتفظ بها في المخازن، لكن ما إن بدأت الأزمة الوبائية حتى أخذت مؤسّسات ودوائر عراقية تتوافد على المعمل لتوفير المستلزمات الطبية، حتى استنفرنا معاملنا كافة وبواقع ثلاث وجبات عمل لتلبية احتياجات وزارة الصحّة من هذه المستلزمات.
وأشار إلى أن “قانون حماية المنتج لأربعة منتجات رئيسة غير مطبّق بشكله الصحيح وهو مُلزِم للمستورد لا سيما بالنسبة للمستلزمات الطبية التي يستوردها التجار والمتوفرة في السوق المحلية، ونحن هنا لسنا ضدّ التنوع في عرض المنتجات لكن شرط أن تكون رصينة وخاضعة لفحوصات جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وليست بضاعة رخيصة تغرق السوق المحلية، فالتجار يفضّلون استيراد المستلزمات زهيدة الثمن من دون مراعاة النوعية، ونحن لا يمكن أن نعمل بهذه الطريقة لأنّنا نتعامل مع صحة إنسان وليس هدفنا الربح المادي على حساب صحة الإنسان.
معمل الوصي
أشبعت فضولي الصحفي بالمعلومات التي زوّدني بها محدثي فقرّرت أن أذهب إلى مفصل آخر من مفاصل هذا المعمل، وقادتنا خطواتنا إلى مقر وكيل مدير مصنع القطنية المهندس الأقدم “كاظم عاصي خيطان” الذي أخبرته بإعجابي بالمكان قبل أن أبدأ الحديث معه عن المعمل بشكل عام، فأثنى على كلامي وقال: ما رأيتِهِ أول مرة وشكّل لديك هذا الانطباع الحسن أنَّه صمّم بأيدي بنائين عراقيين مهرة عام 1945، وكان يسمّى حينذاك بمعمل “الوصي” وهو أول معمل في العراق، ويعد الأب الشرعي لمعامل نينوى وواسط والديوانية وتعدَّدتْ أسماؤه على مرّ الزمن، من شركة الغزل والنسيج العراقية، ثم جزء من مصنع القطنية عام 1987، وينتج الأقمشة القطنية المطبوعة والمصبوغة والغزول القطنية والتركيبية وهو النواة لهذا المصنع، وتصل طاقته الإنتاجية إلى أكثر من “16” مليون متر قماش بمختلف الانواع.
وأضاف: ينتج المعمل الأقشمة التي تدخل في صناعة المستلزمات الطبية المسوَّقة إلى وزارة الصحة والمؤسّسات الصحية الحكومية والأهلية فضلاً عن إنتاجه الأقشمة الخام لتجهيز معمل خياطة بغداد أو معمل الخيم لإنتاج بطانة الخيم المجهّزة لوزارات الدفاع والداخلية والهجرة والمهجرين ودوائر أخرى، كما ننتج “قماش بغداد” وهو خام أسمر يسوّق إلى الأسواق المحلية.
ترميم معمل عانة
وأردف المهندس كاظم: يعد معمل عانة من المعامل المهمة التي تنتج الالبسة الجاهزة والصداري والدشاديش الرجالية، لكنّه تعرّض للتخريب على أيدي العصابات الاجرامية الداعشية، ولدينا خطط لإعادة ترميمه وتأهيله المعمل وإعادة منتسبيه للعمل.
خطط ومعاناة
ودعا إلى دعم الدولة للمنتوج الوطني بغية النهوض بصناعتنا الوطنية عن طريق تفعيل التعرِفة الجمركية وتطبيق قانون حماية المنتج، وحث الوزارات ودوائر الدولة كافة على اعتماد شراء المنتج الوطني وضبط الحدود لإيقاف تدفق السلع المنافسة التي لا تحمل المواصفات الفنية الدقيقة.
وفي الحديث عن الخطط المستقبلية، قال: نسعى دائما لتطوير منتجاتنا واستيراد مكائن جديدة وفق مستجدات الحالة الإنتاجية ومتطلبات السوق المحلية، أو نحوّر بعض المكائن الحالية لتستجيب لمتطلبات الخطوط الإنتاجية المستحدثة، ففي المصنع خبرات فنية عالية من مهندسين وفنيين وخبراء يمتلكون القدرة والإمكانات والمعرفة والخبرة المتراكمة التي تسهم في رفع نوعية المنتجات التي نقدّمها للسوق المحلية ومستواها، وينتسب للمعمل “1700” منتسب من مختلف الاختصاصات الا أنّهم يعانون من تدني مستوى الرواتب قياساً إلى أقرانهم في وزارات أخرى، وعلى الرغم من مخاطر العمل فإننا لا نستطيع صرف مخصّصات الخطورة ونسعى جاهدين إلى توفير الرواتب لأنّنا دائرة تمويل ذاتي وعملنا بكامل طاقتنا الإنتاجية حتى نلبي احتياجات منتسبينا الا أنّ معوقات التسويق تقف عائقا أمام تحقيق طموحتنا.
معمل الأكياس
أشار عليّ المسؤول الإعلامي السيد خالد بالذهاب إلى معمل الأكياس البلاستيكية المنسوجة والتّحدُّث مع المهندسة “بان حسين جاسم” مديرة المعمل، التي حدّثتنا عن منتجات المعمل بالقول: “ينتج المعمل منذ تأسيسه في 2018 الأكياس الخاصّة بتعبئة الأسمدة، والطحين، والسكّر وغيرها، ومنتجاتنا مطابقة لمواصفات الجودة العالمية، وينتج المعمل “24” مليون كيس سنوياً تجهز لوزارة الدفاع والتجارة وشركة الأسمدة الجنوبية.
وأكدت المهندسة بان أنّ المعمل وفّر فرص عمل للشباب بصفة “عقود” بعد أن تدربوا على تشغيل الخطوط الإنتاجية التي تشمل خطّ التحضيرات الذي ينتج الخيط النسيجي وخيط الطلاء الحراري والطباعة والقطع والخياطة ورزم الأكياس، وضمن الخطة المستقبلية إضافة إلى خط تكميلي لإنتاج أكياس تعبئة الاسمنت.
وقفة مع الشباب
لم أرغب في مغادرة المعمل من دون الوقوف مع الشباب الذين يشغلون خطوط الإنتاج، فقد كانت وقفتهم واندفاعهم للعمل من الاشياء التي أفرحتني كثيرا لا سيما بعد أن عرفت أن معظمهم من حملة الشهادات الجامعية الاولية.
حدّثتني (زينب ماجد، مهندسة حاسبات) قائلة: لا يمكن أن يرتقي البلد من دون الارتقاء بصناعاته المختلفة، لذلك نقف خلف خطوط الإنتاج لأنَّنا نحبّ وطننا ونريد أن نرتقي به.
وأثنت (جوان سالم، خريجة تربية وعلم النفس) على قول زميلتها وأكدت: علينا أن نقتنع بأنّ العمل في المصانع هو أهم من العمل المكتبي على الرغم من أهمية الأخير، فالإنتاج ومواكبة التطور الصناعي في العالم يقودنا إلى التقدم والازدهار وتحقيق الرفاهية.
وتساءل الشاب (كرار حيدر، خريج الدراسة الاعدادية) قائلاً: لماذا نتعالى نحن الشباب على مثل هذه الأعمال في الوقت الذي ندرك فيه جيداً أن العالم يتقدّم بتطوّر الصناعة، وعلينا أن نؤمن بأنّ بلادنا لا يمكنها النهوض الا بتقدّم الصناعة، وهذا لا يتحقّق الا بإقدامنا على تفعيل المنشآت الصناعية في البلد وإدارة عجلة الإنتاج بسواعد الشباب.

 

النسخة الألكترونية من العدد 360

“أون لآين -3-”