آية منصور /
لم يتخيل السيد ستار محسن، بل لم يتوقع، يوماً، أن “بسطيته” الصغيرة، والمفروشة بشتى أنواع مقتنياته وكتبه الثمينة، ستغدو يوماً، واحدة من دور النشر الفاعلة في العراق والعالم العربي.
السيد (محسن)، الذي بدأ عمله من “تحت الصفر”، كما يؤكد، يصل اليوم إلى القمة من خلال “سطور”.
كتب مستعملة
ابتدأت سطور العام 2010 في شارع المتنبي، ولم يكن لها أي وجود فعلي سوى يوم الجمعة ببعض الكتب التي كان يعرضها الكتبي ستار محسن، إذ يقوم بعرض كتبه القديمة وبعض كتب اشتراها من محصول بيع كتبه، من أجل الاستمرارية، بعد أن تفرغ من عمله في السفارة الروسية، التي قضى فيها سنوات طوال.
يؤكد (بلال)، وهو ابن الكتبي ستار محسن، أن والده “كان يحضر منذ الرابعة فجراً، كل يوم جمعة، لإخراج كتبه من سرداب ومستودع صغير وقديم للغاية، ويفرشها على الأرض، واستمر على هذا الحال لسنوات عديدة حتى تمكن من إيجاد مكتبة صغيرة للغاية برفوف قديمة، فكانت سطور”.
بيع كل شيء لأجل الكتاب
وهكذا ابتدأت سطور حكايتها الصغيرة، في مكان صغير جداً، كتب مستخدمة ورفوف وديكور قديم ومستخدم، ويوماً بعد يوم، طلب من الأصدقاء إيجاد اسم لمكتبته التي أحبها كثيراً مذ بدايتها، ليقترحوا عليه اسم (سطور) نتيجة حبِّه للناس أجمعين وقربه منهم ولاسيما رواد مكتبته الصغيرة. يضيف (بلال):
“احتاجت المكتبة إلى جهد ودعم مادي، ولأننا لم نكن نملك دعماً مادياً، فقد قمنا ببيع كل ما نملك من أجل توسيع المكتبة والعمل على تطويرها وجلب رفوف جديدة وكتب جديدة، حتى من دول الوطن العربي لتليق بما نطمح إليه”.
بصوت عالٍ: اقرأوا
ولأن السيد محسن، خريج كلية اللغات – اللغة الروسية، فقد كان مولعاً بالأدب الروسي، لذا كانت (سطور) شبه متخمة بالأدب الروسي والقضايا الروسية، السياسية والفلسفية منها، لكنها وبمرور الوقت، تنوعت شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت تضم تقريباً جميع أنواع الأدب العالمي والعربي والمحلي.
يقول حسن هادي، الذي يعد أحد أهم الأشخاص الذين عملوا في المكتبة:
“تسابق السيد محسن على إقامة المهرجانات والندوات الأدبية ومعارض الكتب المحلية في جامعات العراق ومحافظاته جميعها، يأخذ الكتب، ويتجه بها إلى المدن والكليات، وينادي المارّة بأعلى صوته للتقرب وشراء الكتب، ونشر ثقافة القراءة مرة أخرى، فبدأ الناس بمعرفة (سطور) بصورة موسعة، مفصلة وحقيقية.
مكتبة، دار، واسم مسجَّل
بالطبع، وكأية مكتبة، واجهت (سطور) العديد من العقبات كان في مقدمتها توفير الدعم المادي من أجل تطويرها، ثم اعتمادها على الكتب المتوفرة فقط، لتتحول المكتبة بعدها إلى دار نشر، توزع الثقافة في الأرجاء، وسط كم هائل من دور النشر العراقية والعربية، لكنه التحدي، كما يخبرنا (بلال):
“بدأنا ببعض الكتب، وكان أول كتاب نقوم بطباعته هو المؤلفات الشعرية للشاعر الشعبي أدهم عادل، وكتاب (كش وطن) للكاتب شهيد شهيد، وكانت بداية مؤثرة وقوية، إذ طبعنا من (كش وطن) وحدها، أربع طبعات متتالية”.
نتيجة لكل هذا العمل المتواصل من أسرة سطور، استطاعت المكتبة وبجدارة أن تصبح، رسمياً، مسجّلة في دور اتحاد الناشرين العرب وبصورة معترف بها، لتتخطى اليوم حاجز الـ380 كتاباً مطبوعاً حصرياً من سطور فقط، مضيفاً:
“تنوعت إصداراتنا في مختلف المجالات الكتابية، من الشعر والقصة والرواية والفلسفة والسياسة، وحزنا العديد من الجوائز للإصدارات التي قمنا بطباعتها، كما نقوم اليوم بترجمة العشرات من الكتب ترجمة حصرية من دار (سطور) وبالتعاون مع مترجمين مبدعين”.
خلية الكتب
وبالطبع، كان كل هذا يحتاج إلى خلية كبيرة من العاملين، إذ اعتمد السيد محسن على إنشاء مجاميع مكونة من أساتذة ومختصين لقراءة الكتب وتقييمها وتقرير ما إذا كانت تستحق الطبع أم لا، وذلك من أجل إصدار كتاب يرقى إلى عقل القارئ ويهذب ذائقته بشكل مستمر. حسن هادي أشار أيضاً إلى أن:
“كل كتاب يأخذ منا الكثير حتى يرى النور وكأنه وليد جديد، إذ يمر بمراحل صعبة للغاية لا يدركها غير من يعيشها، لكن البحث عن الرصانة يتطلب جهداً كبيراً، وهذا ما تفعله (سطور) بصورة دائمية”.
مكتبة للجميع، ومن الجميع
هذا المكتبة التي هي اليوم بعمر العشر سنوات فقط، يزورها القراء ورواد الأدب من جميع محافظات العراق، لسمعتها الطيبة بين بقية المكتبات ودور النشر، وللتعامل الممتاز للسيدين محسن وبلال مع القارئ، ما يجعله دائم التواصل معهما، إذ يخبرنا بلال أن أصدقاء والده، وأصدقاءه كانوا وما زالوا أول المتابعين لـ (سطور):
“التعامل مع القارئ أمر بالغ الصعوبة، لكني كلما وجدت قارئاً جديداً، وجهت له كل طاقتي بالشرح حول القراءة لكسب شخص جديد لعالم الثقافة”.
ويضيف حسن هادي أن السمعة الجيدة للمكتبة لم تأت من فراغ، حيث يميل المتابعون للوسط الثقافي، إلى قدرة السيد محسن في إدارة المكتبة والدار مع الآخرين وكأنهم من أهل بيته، الأمر الذي جعل الثقة تزداد كثيراً بين الطرفين، مبيـّناً:
“لا يعترض السيد محسن على إعارة الكتب للقراء، لا أظن أحداً يفعل ما يفعله، فكيف لا يحبه أو لا يحب مكتبته أحد؟ أنا سعيد بالعمل معهم و(سطور)، ستغدو يوماً، اسماً أكبر مما هي عليه اليوم”.